اليهود ضررا ألبتة إلا ضررا يسيرا ـ وهو أذى ـ أي ليس على المسلمين من اليهود ضرر وإنما منتهى أمرهم أن يؤذوكم باللسان ، إما بالطعن في محمد وعيسى عليهماالسلام وإما بإظهار كلمة الكفر كقولهم : عزير ابن الله ، وإما بتحريف نصوص التوراة ، وإما بإلقاء الشبه في الأسماع ، وإما بتخويف الضعفة من المسلمين (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) أي ينهزموا من غير أن يضروكم بقتل أو أسر (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (١١١) أي ثم أخبركم أنهم بعد صيرورتهم منهزمين لا يحصل لهم شوكة ولا قوة ولا يجدون النصر قط بل يبقون في الذلة أبدا كما قال تعالى : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) أي جعلت عليهم الذلة أن يحاربوا ويقتلوا وتغنم أموالهم وتسبى ذراريهم وتملك أراضيهم (أَيْنَ ما ثُقِفُوا) أي صودفوا فلا يقدرون أن يقوموا مع المؤمنين (إِلَّا) أن يعتصموا (بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) أي المؤمنين فالأمان الحاصل للذمي قسمان :
أحدهما : الذي نص الله عليه وهو أخذ الجزية.
وثانيهما : الذي فوض الله إلى رأي الإمام فيزيد فيه تارة وينقص بحسب الاجتهاد. فالأول : هو المسمى بحبل الله. والثاني : هو المسمى بحبل المؤمنين. (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) أي داموا في غضب الله أو استوجبوا لعنة الله (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) أي جعل عليهم زي الفقر. واليهود في غالب الأحوال مساكين تحت أيدي المسلمين والنصارى (ذلِكَ) أي لزوم الذلة والمسكنة والمكث في اللعنة (بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) الناطقة بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم حتى يحرفونها بسائر الآيات القرآنية (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) أي بلا جرم. فإن الذين قتلوا الأنبياء أسلافهم ، وهؤلاء المتأخرون كانوا راضين بفعل أسلافهم فنسب إليهم كما أن التحريف من أفعال أحبارهم ينسب إلى كل من يتبعهم (ذلِكَ) أي الكفر والقتل (بِما عَصَوْا) في السبت (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (١١٢) أي يتجاوزون حدود الله باستحلال المحارم. قال أرباب المعاملات مع الله : من ابتلي بترك الآداب وقع في ترك السنن ، ومن ابتلي بترك السنن وقع في ترك الفريضة ، ومن ابتلي بترك الفريضة وقع في استحقار الشريعة ، ومن ابتلي بذلك وقع في الكفر (لَيْسُوا) أي جميع أهل الكتاب (سَواءً) أي فليس من آمن منهم كمن لم يؤمن (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) أي جماعة عدل مهتدية بتوحيد الله وهم عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم معهم من اليهود كما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : هم عبد الله بن سلام وأخوه ثعلبة بن سلام وسعية وميس وأسيد وأسدهما ابنا كعب.
قال ابن عباس رضياللهعنهما : لما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه قالت أحبار اليهود : ما آمن بمحمد إلا أشرارنا ولو لا ذلك ما تركوا دين آبائهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية : (يَتْلُونَ