وأنهم يظهرون لكم محبة رسول الله (وَلا يُحِبُّونَكُمْ) بسبب المخالفة في الدين وبسبب أن الكفر مستقر في باطنهم ولأنهم يعلمون أنكم تحبون الرسول (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) وهم لا يؤمنون به وهم مع إيمانكم بكتبهم يبغضونكم فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم (وَإِذا لَقُوكُمْ) أي منافقو اليهود (قالُوا) نفاقا : (آمَنَّا) بمحمد فإن نعته في كتابنا (وَإِذا خَلَوْا) أي رجع بعضهم إلى بعض (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) أي عضوا لأجل غمهم منكم أطراف الأصابع من شدة الغضب أي فإذا رجعوا إلى بعضهم أظهروا شدة العداوة على المؤمنين حتى تبلغ تلك الشدة إلى عض الأنامل ـ كما يفعل ذلك أحدنا إذا اشتد غيظه ـ ولما كثر هذا الفعل من الغضبان صار ذلك كناية عن الغضب حتى يقال في الغضبان : إنه يعض يده غيظا وإن لم يكن هناك عض. (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) وهذا دعاء عليهم بازدياد ما يوجب هذا الغيظ وهو قوة الإسلام ودعاء عليهم بالموت قبل بلوغ ما يتمنون ، وليس أمرا بالإقامة على الغيظ فإن الغيظ كفر والأمر بالكفر غير جائز ، ويجوز أن يكون معنى قوله : (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) إنه تعالى أمر رسوله بطيب النفس وقوة الرجاء ، والاستبشار بوعد الله إياه أنهم يهلكون غيظا بإعزاز الإسلام وإذلالهم به ـ كأنه قيل : حدّث نفسك بذلك ـ (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (١١٩) أي إنه تعالى عالم بكل ما يحصل في قلوبكم من الخواطر والبواعث والصوارف (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) أي إن تصبكم منفعة الدنيا تحزنهم وذلك كصحة البدن ، وحصول الخصب والفوز بالغنيمة والاستيلاء على الأعداء وحصول المحبة بين الأحباب. (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ) أي مضرة كمرض وفقر وانهزام من عدو ، وقتل ونهب وغارة وحصول التفرقة بين الأقارب (يَفْرَحُوا) أي اليهود والمنافقون (بِها) فإنهم متناهون في عداوتكم فاجتنبوهم (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على طاعة الله وعلى ما ينالكم فيها من شدة وغم (وَتَتَّقُوا) كل ما نهاكم عنه وتتوكلوا في أموركم على الله (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ) أي حيلتهم التي دبروها لأجلكم (شَيْئاً) من الضرر لأن كل من صبر على أداء أوامر الله تعالى ، واتقى كل ما نهى الله عنه كان في حفظ الله فلا يضره حيل المحتالين.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «لا يضركم» بفتح الياء وكسر الضاد وسكون الراء. والباقون «لا يضركم» بضم الضاد والراء المشددة على الجزم بسكون مقدر للاتباع.
وروى المفضل عن عاصم «لا يضركم» بفتح الراء للتخفيف. (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (١٢٠) بالياء باتفاق القراء العشرة. أي إنه عالم بما يعملون في معاداتكم فيعاقبهم عليه. وفي قراءة شاذة بالتاء. والمعنى أنه تعالى عالم بما تعملون من الصبر والتقوى فيفعل بكم ما أنتم مستحقون له (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) أي واذكر يا أشرف الخلق لأصحابك وقت خروجك من عند أهلك أي من حجرة عائشة إلى أحد ليتذكر ، وإما وقع في ذلك الوقت من الأحوال الناشئة من عدم الصبر فيعلموا أنهم لو لزموا الصبر والتقوى لا يضرهم كيد الكفرة.