بمطلوبهم. وقال تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) بقلة العدد وضعف الحال وقلة السلاح والمال ، وعدم القدرة على مقاومة العدو فإن المسلمين كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وما كان فيهم إلا فرس واحد. والكفار كانوا فريبين من ألف مقاتل ومعهم مائة فرس مع الأسلحة الكثيرة والعدة الكاملة. (فَاتَّقُوا اللهَ) في أمر الحرب ولا تخالفوا الأمير الذي معكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٢٣) لكي تشكروا نعمته تعالى ونصرته (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) فـ «إذ» إما منصوب بنصركم ويكون هذا الوعد حصل يوم بدر ، وهذه الجملة من تمام قصة بدر وهو قول أكثر المفسرين ، وإما بدل من قوله : (إِذْ هَمَّتْ) أو بدل ثان من قوله تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ) ويكون هذا الوعد حصل يوم أحد وهذه الجملة من تمام قصة أحد فيكون قوله : ولقد نصركم الله معترضا بين الكلامين وهو مروي عن ابن عباس والكلبي والواقدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) مع عدوكم (أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ) أي ينصركم (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) (١٢٤) من السماء.
قرأ ابن عامر «منزلين» مشدد الزاي مفتوحة. والباقون بفتح الزاي مخففة. وقرئ قراءة شاذة باسم الفاعل من الصيغتين أي منزلين النصر (بَلى) يكفيكم (إِنْ تَصْبِرُوا) مع نبيكم في الحرب (وَتَتَّقُوا) معصية الله ومخالفة نبيه صلىاللهعليهوسلم (وَيَأْتُوكُمْ) أي يأتيكم المشركون (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) أي من ساعتهم هذه من جهة مكة (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ) أي ينصركم على عدوكم (بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (١٢٥). قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بكسر الواو أي معلمين أنفسهم أو خيلهم. والباقون بفتح الواو أي معلمين بالصوف الأبيض في نواصي الدواب وأذنابها أو مجذوذة أذنابهم أو مرسلين (وَما جَعَلَهُ اللهُ) أي ما جعل الله الإمداد (إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) بأنكم تنصرون (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) أي بالمدد. وفي ذكر الإمداد مطلوبان : إدخال السرور في قلوبكم وحصول الطمأنينة على أن إعانة الله معهم (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (١٢٦) لا من العدة والعدد ولا من عند الملائكة (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) واللام متعلق بقوله : وما النصر. والمعنى والمقصود من نصركم إن يهلك الله طائفة من كفار مكة بقتل وأسر (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) أو يهزمهم ويخزيهم (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) (١٢٧) أي يرجعوا منقطعي الآمال غير فائزين بمطلوبهم بشيء (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ). وهذه الآية نزلت في قصة أحد لمنعه صلىاللهعليهوسلم من الدعاء عليهم لما روي أن عتبة بن أبي وقاص شجه وكسر رباعيته ـ وهي السن التي بين الثنية والناب ـ ثم أراد أن يدعو عليهم فنزلت هذه الآية ، ولما روى سالم بن عبد الله بن عمر أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لعن أقواما فقال : «اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحرث بن هشام ، اللهم العن صفوان بن أمية» (١). فنزل قوله تعالى : (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) فتاب الله على هؤلاء وحسن إسلامهم. ولما حصل له صلىاللهعليهوسلم من الهم بأنه رأى
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب التفسير ، باب : تفسير سورة ٣.