العذاب والسخط (وَاتَّقُوا النَّارَ) بأن تجتنبوا ما يوجبها وهو استحلال ما حرم من الربا وغيره (الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (١٣١) وكان أبو حنيفة يقول : هذه الآية أخوف آية في القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه ، وفي الآية تنبيه على أن النار بالذات للكفار وبالعرض للعصاة. (وَأَطِيعُوا اللهَ) فيما يأمركم به وينهاكم عنه من أخذ الربا وغيره (وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٣٢) الذي يبلغكم أوامر الله ونواهيه فإن طاعة الرسول طاعة لله (وَسارِعُوا).
قرأ نافع وابن عامر بغير واو أي بادروا واقبلوا. وقرئ شاذة وسابقوا (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي إلى الإسلام ـ كما قاله ابن عباس ـ وإلى أداء الفرائض ـ كما قاله علي بن أبي طالب ـ والصلوات الخمس وإلى الإخلاص ـ كما قاله عثمان بن عفان ـ وإلى الجهاد ـ كما قاله الضحاك ومحمد بن إسحاق ـ وإلى التكبيرة الأولى ـ كما قاله سعيد بن جبير ـ وإلى جميع الطاعات ـ كما قاله عكرمة ـ وإلى التوبة من الربا والذنوب ـ كما قاله الأصم وابن عباس ـ (وَجَنَّةٍ) أي فكما تجب المسارعة إلى المغفرة فكذلك تجب المسارعة إلى الجنة. فمعنى الغفران إزالة العقاب ، ومعنى الجنة إيصال الثواب فلا بد للمكلف من تحصيل الأمرين (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي عرضها مثل عرض السموات والأرض لو جعلت السموات والأرض طبقا طبقا ، بحيث يكون كل واحدة من تلك الطبقات سطحا مؤلفا من أجزاء لا تتجزأ ، ثم وصل البعض بالبعض طبقا واحدا لكان ذلك مثل عرض الجنة وهذا غاية في السعة لا يعلمها إلا الله تعالى (أُعِدَّتْ) أي هيئت الجنة (لِلْمُتَّقِينَ) (١٣٣) ثم ذكر الله تعالى صفات المتقين فقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) أموالهم في سبيل الله تعالى (فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) أي في حال الغنى والفقر أو في سرور وحزن ، أو على وفق طبعهم وعلى خلافه كما يحكى عن بعض السلف أنه ربما تصدق ببصلة. وعن عائشة رضياللهعنها أنها تصدقت بحبة عنب (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) أي الكافين غيظهم.
قال صلىاللهعليهوسلم : «من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا» (١). وقال صلىاللهعليهوسلم : «من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه زوجه الله من الحور العين حيث يشاء»(٢). وقال صلىاللهعليهوسلم : «ليس الشديد بالصرعة لكنه الذي يملك نفسه عند الغضب»(٣). (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب الأدب ، باب : من كظم غيظا ، والترمذي في كتاب البرّ ، باب : ٧٤ ، وأحمد في (م ٣ / ص ٤٣٨).
(٢) رواه أبو داود في كتاب الأدب ، باب : من كظم غيظا ، والترمذي في كتاب البرّ ، باب : ٧٤ ، وابن ماجة في كتاب الزهد ، باب : الحلم ، وأحمد في (م ٣ / ص ٤٣٨).
(٣) رواه البخاري في كتاب الأدب ، باب : قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إنما الكرم قلب المؤمن» ، ومسلم في كتاب البرّ ، باب : ١٠٦ ، والموطأ في كتاب حسن الخلق ، باب : ما جاء في الغضب ،