لا تضعفوا. وقيل : إن المعنى إن نالكم يوم أحد قرح وانهزام فقد نال الكفار في ذلك اليوم مثل ذلك ، فإن المسلمين نالوا من الكفار قبل أن يخالفوا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قتلوا منهم نيفا وعشرين رجلا ـ منهم صاحب لوائهم ـ وجرحوا عددا كثيرا ، وعقروا عامة خيلهم بالنبل وقد كانت الهزيمة عليهم في أول النهار (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ) أي أيام الدنيا (نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) لا يدوم مسارها ولا مضارها فيوم يحصل فيه السرور للمؤمنين ، والغم للأعداء ويوم آخر بالعكس ، وليس المراد من هذه المداولة أن الله تعالى تارة ينصر المؤمنين ، والأخرى ينصر الكافرين وذلك لأن نصرة الله منصب شريف فلا يليق بالكافر بل المراد من هذه المداولة أنه تارة يشدد المحنة على الكفارة وأخرى على المؤمنين ولو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الاضطراري بأن الإيمان حق وما سواه باطل ، ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب. وأيضا إن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي فيشدد الله المحنة عليه في الدنيا تأديبا له وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه غضب من الله عليه. وأيضا إن لذات الدنيا وآلامها غير باقية وإنما السعادات المستمرة في دار الآخرة.
وروي أن أبا سفيان صعد الجبل يوم أحد ، ثم قال : أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر : هذا رسول الله ، وهذا أبو بكر ، وها أنا عمر! فقال أبو سفيان : يوم بيوم ، والأيام دول ، والحرب سجال. فقال عمر : لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، فقال : إن كان الأمر كما تزعمون فقد خبنا إذا وخسرنا. (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) واللام متعلقة بفعل مضمر. والتقدير وفعلنا هذه المداولة لكي يرى الله الذين أخلصوا في إيمانهم متميزين من المنافقين إذا أصابتهم المشقة كما وقع في أحد (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) أي يكرم الله من يشاء منكم بالشهادة وهم شهداء أحد (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (١٤٠) أي المشركين وإنما يظفرهم في بعض الأحيان استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي ليطهرهم من ذنوبهم بما يصيبهم في الجهاد إن كانت الغلبة للكافرين على المؤمنين (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) (١٤١) أي يهلكهم في الحرب إن كانت الغلبة للمؤمنين على الكافرين (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (١٤٢) والخطاب للذين انهزموا يوم أحد. أي أظننتم أن تدخلوا الجنة وتفوزوا بنعيمها والحال أنه لم يتحقق منكم الجهاد والصبر ـ أي الجمع بينهما ـ أي لا تحسبوا ذلك والحال أن الله تعالى لم ير المجاهدين منكم في سبيل الله يوم أحد والصابرين على قتال عدوهم مع نبيهم (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) بالشهادة في الحرب (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) أي الموت يوم أحد حيث قلتم : ليت لنا يوما كيوم بدر لننال ما نال شهداؤه من الكرامة وكانوا قد ألحوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد في الخروج ، ثم ظهر منهم خلاف ذلك (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) أي إن كنتم صادقين في تمنيكم الحرب فقد رأيتم الموت بمشاهدة أسبابه يوم أحد (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (١٤٣)