إلى سيوف الكفار حين قتل أمامكم من قتل من إخوانكم ، فلم انهزمتم منهم ولم تثبتوا مع نبيكم؟ (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) أي قد مضت من قبل محمد أمثاله من رسل الله تعالى.
قال ابن عباس ومجاهد والضحّاك : لما نزل النبيّ صلىاللهعليهوسلم بأحد أمر الرماة أن يلزموا أصل الجبل ثم قتل على طلحة صاحب لواء الكفار ، وشد الزبير والمقداد على المشركين فانهزم الكفار ، ثم بادر قوم من الرماة إلى الغنيمة وكان خالد بن الوليد صاحب ميمنة الكفار فلما رأى تفرق الرماة حمل على المسلمين فهزمهم ، وفرق جمعهم ، ورمى عبد الله بن قميئة رسول الله صلىاللهعليهوسلم بحجر فكسر رباعيته وشجّ وجهه وأقبل يريد قتله فذب عنه مصعب بن عمير وهو صاحب راية رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم بدر وأحد فقتله ابن قميئة فظن أنه قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : قد قتلت محمدا ، وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل ففشا في الناس خبر قتله فهناك قال بعض المسلمين : ليت عبد الله بن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان وبعض الصحابة جلسوا وألقوا بأيديهم. وقال قوم من المنافقين : لو كان محمدا نبيا لما قتل وإن كان قد قتل فارجعوا إلى دينكم الأول. فقال أنس بن النضر ـ عم أنس بن مالك ـ : يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد حيّ لا يموت وما تصنعون في الحياة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟! قاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه. ثم قال : اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء المسلمون وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المنافقين ، ثم سلّ سيفه فقاتل حتى قتل رحمهالله تعالى. ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم انطلق إلى الصخرة وهو يدعو الناس ويقول : «إليّ عباد الله» (١) فأول من عرفه صلىاللهعليهوسلم كعب بن مالك وقال : عرفت عينيه تحت المغفر تزهران فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأشار إلي أن أمسك ، فانحازت إليه طائفة من أصحابه فلامهم على هزيمتهم ، فقالوا : يا نبي الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا الخبر بأنك قد قتلت فرعبت قلوبنا فولينا مدبرين فأنزل الله تعالى هذه الآية : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) أي أصرتم كفارا بعد إيمانكم إن مات محمد أو قتل كغيره من الرسل فتخالفوا سنن أتباع الأنبياء قبلكم في ثباتهم على ملل أنبيائهم بعد موتهم. أي لا ينبغي منكم الارتداد حينئذ لأن محمدا صلىاللهعليهوسلم مبلّغ لا معبود وقد بلّغكم والمعبود باق فلا وجه لرجوعكم عن الدين الحق لو مات من بلغكم إياه. (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) أي ومن يرجع إلى دينه الأول ـ وهو الشرك ـ فلن ينقص الله رجوعه شيئا وإنما يهلك نفسه بإقباله على
__________________
(١) رواه ابن حجر في الكاف والشاف في تخريج أحاديث الكشاف (٣٢) ، وابن كثير في التفسير (٢ : ١١٨) ، والطبري في التفسير (٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (١ : ٤٧٧) ، وابن كثير في البداية والنهاية (٤ : ٢٣).