وروى الشعبي عن ابن عباس وابن مسعود : أن المراد بقوله تعالى : (ما تُبْدُونَ) قولهم : «أ تجعل فيها من يفسد فيها» وبقوله : (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ما أسرّ إبليس في نفسه من الكبر ومن أن لا يسجد. وقيل : لما خلق الله تعالى آدم رأت الملائكة خلقا عجيبا ، فقالوا : ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أكرم عليه منه فهذا الذي كتموه. (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) سجود تعظيم لآدم من غير وضع الجهة على الأرض (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) عن أمر الله (وَاسْتَكْبَرَ) أي تعاظم عن السجود لآدم (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٣٤) أي صار من الكافرين بإبائه عن أمر الله. ويقال : إن إبليس حين اشتغاله بالعبادة كان منافقا كافرا ، وهذا السجود كان قبل دخول آدم الجنة. وروي أن بني آدم عشر : الجن ، والجن وبنو آدم عشر حيوانات البر ، وهؤلاء كلهم عشر الطيور ، وهؤلاء كلهم عشر حيوانات البحر ، وهؤلاء كلهم عشر ملائكة الأرض الموكلين بها ، وكل هؤلاء عشر ملائكة سماء الدنيا وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثانية. وعلى هذا الترتيب إلى ملائكة السماء السابعة ، ثم الكل في مقابلة ملائكة الكرسي نزر قليل ، ثم كل هؤلاء عشر ملائكة السرادق الواحد من سرادقات العرش التي عددها ستمائة ألف طول كل سرادق وعرضه وسمكه إذا قوبلت به السموات والأرضون وما فيها وما بينها فإنها كلها تكون شيئا يسيرا وقدرا صغيرا ، وما من مقدار موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم لهم ، زجل بالتسبيح والتقديس ، ثم كل هؤلاء في مقابلة الملائكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة في البحر ولا يعلم عددهم إلا الله ، ثم مع هؤلاء ملائكة اللوح الذين هم أشياع إسرافيل عليهالسلام والملائكة الذي هم جنود جبريل عليهالسلام وكلهم مشتغلون بعبادته تعالى لا يحصي أجناسهم ولا مدة أعمارهم ولا كيفية عبادتهم إلا الله تعالى. (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) حواء (الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها) أكلا (رَغَداً) أي واسعا لذيذا (حَيْثُ شِئْتُما) أي في أيّ مكان أردتما منها ، (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ).
روي أن أبا بكر الصديق رضياللهعنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الشجرة فقال : «هي الشجرة المباركة السنبلة». وعن مجاهد وقتادة : هي التين. وعن يزيد بن عبد الله : هي الأترج ، وعن ابن عباس : هي شجرة العلم عليها من كل لون وفن. (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣٥) أي فتصيرا من الضارين لأنفسكما. ويقال : من الذين وضعوا أمر الله تعالى في غير موضعه (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ) أي أزلقهما إبليس (عَنْها) أي الجنة.
وقرأ حمزة بألف بعد الزاي ، والباقون بغير ألف وتشديد اللام (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) أي من الرغد. (وَقُلْنَا) لآدم وحواء وإبليس : (اهْبِطُوا) انزلوا إلى الأرض ، فهبط آدم بسر نديب من أرض الهند على جبل يقال له : نود ، وهبطت حواء بجدة ، وإبليس بالأبلة من أعمال البصرة