خذلانه تعالى (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٦٠) بالنصرة وغيرها (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بفتح الياء وضم الغين ، أي وما جاز لنبي أن يخون أمته في الغنائم.
قال الكلبي ومقاتل : نزلت هذه الآية حين ترك الرماة المركز يوم أحد طلبا للغنيمة ، وقالوا : نخشى أن يقول النّبيّ صلىاللهعليهوسلم من أخذ شيئا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر. فقال صلىاللهعليهوسلم لهم : «أ لم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري؟». فقالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفا. فقال صلىاللهعليهوسلم : «ظننتم أنا نغفل فلا نقسم لكم». فنزلت هذه الآية. وقرأ الباقون من السبعة «يغل» بضم الياء وفتح الغين أي وما جاز لنبي أن يخان لأن الوحي كان يأتيه حالا فحالا فمن خانه فربما نزل الوحي فيه فيحصل له مع عذاب الآخرة فضيحة الدنيا ولأن الخيانة في حقه صلىاللهعليهوسلم أفحش لأنه أفضل البشر ، ولأن المسلمين في ذلك الوقت كانوا في غاية الفقر ، كما روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما وقعت في يده يوم حنين غنائم هوازن غل رجل بمخيط فنزلت هذه الآية (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَ) أي يأت بالذي غله بعينه يحمله على عنقه (يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) أي تعطى وافيا (ما كَسَبَتْ) أي جزاء ما عملت من الغلول وغيره (وَهُمْ) أي كل نفس (لا يُظْلَمُونَ) (١٦١) بزيادة عقاب أو بنقص ثواب لأنه تعالى عادل في حكمه (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) أي أمن اتقى فاتبع رضوان الله بالإيمان به والعمل بطاعته (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) أي كمن استحق سخطا من الله بالكفر به والاشتغال بمعصيته (وَمَأْواهُ) أي الغال أو من استوجب سخط الله (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٦٢) جهنم (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) أي الفريقان مختلفون في درجات الثواب والعقاب في حكم الله وعلمه باختلاف مراتب الطاعات والمعاصي (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (١٦٣) أي بأعمالهم ودرجاتها فيجازيهم بحسبها (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي لقد أحسن إليهم (إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي بعث آدميا ولد في بلدهم ونشأ فيما بينهم وهم كانوا عارفين بأحواله من أول العمر إلى آخره أنه ملازم الصدق والأمانة وهو صار شرفا للعرب وفخرا لهم ، وذلك لأن الافتخار بإبراهيم عليهالسلام كان مشتركا فيه اليهود والنصارى والعرب ، ثم إن اليهود يفتخرون بموسى والتوراة والنصارى يفتخرون بعيسى والإنجيل فما كان للعرب ما يقابل ذلك فلما بعث الله محمدا وأنزل القرآن صار شرف العرب بذلك زائدا على شرف جميع الأمم. فهذا وجه الفائدة في قوله تعالى من أنفسهم : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) أي القرآن. أي يبلغ الوحي من عند الله إلى الخلق بالأمر والنهي (وَيُزَكِّيهِمْ) أي يطهرهم بالتوحيد من الشرك وبأخذ الزكاة من الذنوب ويكمل نظرهم بحصول المعارف الإلهية (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) أي ظواهر الشريعة أو يعرفهم التأويل (وَالْحِكْمَةَ) أي محاسن الشريعة وأسرارها وعللها (وَإِنْ