قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في حق كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا ، وزيد بن التابوت ، وفنحاص بن عازوراء ، وحيي بن أخطب وغيرهم ، أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا محمد تزعم أنك رسول الله وأنه تعالى أنزل عليك كتابا وقد عهد الله إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ويكون لها دوي خفيف تنزل من السماء ، فإن جئتنا بهذا صدقناك فنزلت هذه الآية : (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) أي أمرنا في الكتاب (أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ) أي لا نصدق أحدا بالرسالة (حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) ما كان عليه أمر أنبياء بني إسرائيل حيث كان يقرب بالقربان من النعم أو من الصدقات ـ غير الحيوان ـ فيقوم النبي في البيت ويناجي ربه وبنو إسرائيل واقفون حول البيت ، فتنزل نار بيضاء أي لا دخان لها ولها دوي ، فتأكل القربان أي تحرقه وهذا من أباطيلهم فإن أكل النار القربان لم يجب الإيمان إلا لكونه معجزة ، فهو وسائر المعجزات سواء. وقد تقدمت المعجزات الكثيرة لمحمد صلىاللهعليهوسلم وطلبهم لهذا المعجز وقع على سبيل التعنت لا على سبيل الاسترشاد ولذلك رد الله عليهم بقوله : (قُلْ) يا أشرف الخلق (قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ) أي بالمعجزات الواضحة (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) وهو القربان الذي تأكله النار (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٨٣) في مقالتكم إنكم تؤمنون لرسول يأتيكم بما اقترحتموه فإن زكريا ويحيى وعيسى وغيرهم من الأنبياء عليهمالسلام قد جاءوكم بما قلتم في معجزات أخر فما لكم لم تؤمنوا لهم حتى اجترأتم على قتلهم (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) في أصل النبوة والشريعة فتسل (فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) أي المعجزات (وَالزُّبُرِ) أي الصحف كصحف إبراهيم وموسى (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) (١٨٤) أي الواضح وهو التوراة والإنجيل والزبور.
وقرأ ابن عامر «بالزبر» بإعادة الباء كقراءة ابن عباس دلالة على المغايرة. وقرأ هشام «وبالكتاب» بإعادة الباء. والباقون بغير الباء فيهما (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أي كل حيوان حاضر في دار التكليف يذوق الموت. وروي عن الحسن أنه قرأ «ذائقة الموت» بالتنوين ونصب الموت. وقرأ الأعمش بطرح التنوين مع نصب «الموت». (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي وإنما تعطون أجزية أعمالكم على التمام يوم قيامكم من القبور. وفي لفظ التوفية إشارة إلى أن بعض أجورهم يصل إليهم قبله كما يدل عليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران» (١) (فَمَنْ زُحْزِحَ) أي أبعد (عَنِ النَّارِ) بالتوحيد والعمل الصالح (وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) أي نال غاية مقصوده. وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من أحبّ أن يزحزح عن النار
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب القيامة ، باب : ٢٦.