ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه» (١). (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (١٨٥) أي ليس ما في الدنيا من النعيم إلا كمتاع البيت في بقائه مثل الخزف والزجاجة وغير ذلك أي إن العيش في هذه الدنيا يغر الإنسان بما يمنيه من طول البقاء وسينقطع عن قريب فوصفت بأنها متاع الغرور لأنها تغر ببذل المحبوب ، وتخيل للإنسان أنه يدوم وليس بدائم. قال بعضهم : الدنيا ظاهرها مطيّة السرور وباطنها مطية الشرور. قال سعيد بن جبير : إن هذا في حق من آثر الدنيا على الآخرة وأما من طلب الآخرة بها فإنها نعم المتاع (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) أي والله لتختبرن في ذهاب أموالكم بالمهلكات كالغرق والحرق وبالتكاليف كالزكاة والجهاد ، وفي ما يصيب أنفسكم من البلايا كالأمراض والأوجاع والقتل والضرب ومن التكاليف كالصلاة والج هاد والصبر فيهما. (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) أي ولتسمعن من اليهود والنصارى ومشركي العرب : أنواع الإيذاء من الطعن في الدين الحنيف ، والقدح في أحكام الشرع الشريف ، وصدّ من أراد أن يؤمن ، وتخطئة من آمن وما كان من كعب بن الأشرف وأضرابه من هجاء المؤمنين وتشبيب نسائهم ، وتحريض المشركين على مضادة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونحو ذلك مما لا خير فيه. (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على تلك البلوى وأذى الكفار وتستعملوا احتمال المكروه ومداراة الكفار في كثير من الأحوال (وَتَتَّقُوا) أي تحترزوا عما لا ينبغي وعن المداهنة مع الكفار وعن السكوت عن إظهار الإنكار (فَإِنَّ ذلِكَ) أي الصبر والتقوى (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٨٦) أي من حزم أمور المؤمنين وخيرها ومن صواب التدبير. أو المعنى فإن ذلك ذلك مما قد عزم عليكم فيه أي ألزمتم الأخذ به ومما يجب أن يعزم عليه كل أحد لأنه حميد العاقبة. (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) أي واذكر وقت أخذه تعالى العهد على علماء اليهود والنصارى لتذكرن الآيات الدالة على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم من التوراة والإنجيل وللناس ، ولا تلقوا فيها التأويلات الفاسدة والباطلة.
قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم وأبو عمرو بالغيبة في الفعلين. والباقون بالخطاب فيهما. (فَنَبَذُوهُ) أي طرحوا الميثاق (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) أي فلم يعملوا به (وَاشْتَرَوْا بِهِ) أي الكتاب (ثَمَناً قَلِيلاً) أي شيئا تافها من الدنيا أي أخفوا الحق ليتوسلوا به إلى وجدان شيء من الدنيا (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (١٨٧) أي بئس شيئا يشترونه ذلك الثمن فكل من لم يبين الذي للناس وكتم
__________________
(١) رواه ابن ماجة في كتاب الفتن ، باب : ما يكون من الفتن ، ومسلم في كتاب الإمارة ، باب : ٤٦ ، والنّسائي في كتاب البيعة ، باب : ذكر ما على من بايع الإمام وأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه ، وأحمد في (م ٢ / ص ١٦١).