حسبانهم على عدم حسبانه صلىاللهعليهوسلم ومفعولاه ما بعده (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٨٨) أي وجيع في الآخرة (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له تعالى السلطان القاهر فيهما بحيث يتصرف فيهما وفيما فيهما كيفما يشاء إيجادا وإعداما ، إحياء وإماتة ، تعذيبا وإثابة ، وهو تعالى يملك ما فيهما من خزائن المطر والنبات والرزق (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٨٩) فلا يشذ من ملكوته شيء من الأشياء وكل ما سواه تعالى مقدور له تعالى. (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي في إنشائهما على ما هما عليه في ذواتهما وصفاتهما (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي في تعاقبهما في وجه الأرض وكون كل منهما خلفة للآخر بحسب طلوع الشمس وغروبها. الناشئين من حركات السموات وسكون الأرض أو في تفاوتهما بازدياد وانتقاص باختلاف حال الشمس بالنسبة إلينا قربا وبعدا بحسب الأزمنة أو في اختلافهما بحسب الأمكنة (لَآياتٍ) كثيرة عظيمة دالة على وحدانيته تعالى وقدرته تعالى (لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٠) أي لذوي العقول. المتفكرين في بدائع صنائع الملك الخلاق. المتدبرين في حكمه المودعة في الأنفس والآفاق. وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «بينما رجل مستلق على فراشه ، إذ رفع رأسه فنظر لى النجوم وإلى السماء وقال : أشهد أن لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له» (١). وقال : «لا عبادة كالتفكر»(٢).
وحكي أن الرجل من بني إسرائيل كان إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة ، فعبد في تلك المدة فتى من فتيانهم فما أظلته سحابة ، فقالت له أمه : لعل فرطة صدرت منك في مدتك. فقال : ما أذكر. قالت : لعلك نظرت مرة إلى السماء ولم تعتبر! قال : نعم ، قالت : فما أتيت إلا من ذلك. (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) أي الذين لا يغفلون عن الله تعالى في جميع أوقاتهم لاطمئنان قلوبهم بذكره تعالى ، واستغراق سرائرهم في مراقبته لما أيقنوا بأن كل ما سواه فائض منه وعائد إليه فلا يشاهدون حالا من الأحوال في أنفسهم ولا في الآفاق إلا وهم يعاينون في ذلك شأنا من شؤونه تعالى. فالمراد ذكره تعالى مطلقا سواء كان ذلك من حيث الذات أو من حيث الصفات والأفعال وسواء قارنه الذكر اللساني أولا. وتخصيص الأحوال المذكورة بالذكر ليس لتخصيص الذكر بها بل لأنها الأحوال المعتادة التي لا يخلو عنها الإنسان غالبا. والمراد تعميم الذكر للأوقات. قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله» (٣)
__________________
(١) رواه ابن أبي الدنيا في حسن الظن (١٠٥) ، والقرطبي في التفسير (٤ : ٣١٤).
(٢) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠ : ٢٨٣) ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق (٤ : ٢٢١).
(٣) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (١٠ : ٣٠٢) ، وابن عبد البر فيه التمهيد (٦ : ٥٨) ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٥ : ٦) ، والمتقي الهندي في كنز العمال (١٨٨٧) ، والعراقي في