الآخرة هو الوعد لا الاستحقاق وفي الآثار عن جعفر الصادق من حزبه أمر فقال : ربنا خمس مرات أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد واستدلّ بهذه الآية. (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) فيما سألوه من غفران الذنوب وإعطاء الثواب. (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) وقرأ الجمهور بفتح الهمزة. وقرأ أبي بأني بالباء التي للسببية. وقرأ عيسى بن عمر بكسر الهمزة. والمعنى أني لا أبطل ثواب عمل عامل منكم. والمراد حصلت إجابة دعائكم في كل ما طلبتموه (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) فلا تفاوت في الإجابة وفي الثواب بين الذكر والأنثى إذا كانا في التمسك بالطاعة على السوية (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي بعضكم كبعض في الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) أي اختاروا المهاجرة من أوطانهم في خدمة الرسول صلىاللهعليهوسلم (وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أي ألجأهم الكفار إلى الخروج من منازلهم التي ولدوا فيها (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) أي بسبب طاعتي ومن أجل ديني وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا).
قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو «وقاتلوا» بالألف ، «وقتلوا» مخففة. والمعنى قاتلوا العدو معه صلىاللهعليهوسلم حتى قتلوا في الجهاد. وقرأ ابن كثير وابن عامر «وقاتلوا» بالألف ، «وقتلوا» مشددة لتكرر القتل فيهم. وقيل : معناه قطعوا. وقرأ حمزة والكسائي «وقتلوا» بغير ألف أولا ، «وقاتلوا» بالألف ثانيا ، أي وقد قاتلوا. (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) (١٩٥) أي إن الله تعالى وعد من فعل ذلك بأمور ثلاثة :
أولها : محو السيئات وغفران الذنوب. وذلك هو الذي طلبوه بقولهم فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا.
وثانيها : إعطاء الثواب العظيم وهو دخول الجنان وهو الذي طلبوه بقولهم وآتنا ما وعدتنا على رسلك.
وثالثها : كون الثواب مقرونا بالتعظيم وهو المشار إليه بقوله تعالى : (مِنْ عِنْدِ اللهِ) وهو الذي طلبوه بقولهم : ولا تخزنا يوم القيامة. وقوله تعالى : (ثَواباً) مصدر مؤكد لمعنى ما قبله لأن معنى مجموع قوله تعالى : (لَأُكَفِّرَنَ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ) لأثيبنهم. فكأنه قيل : لأثيبنهم إثابة من عند الله. وقوله تعالى : (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) تأكيد لكون الثواب في غاية الشرف.
روي أن أم سلمة قالت يا رسول الله : إني لم أسمع ذكر النساء في الهجرة فنزل قوله تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) إلى هنا ولما قال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد نزل قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) (١٩٦) أي لا تنظر إلى ما عليه الكفرة من السعة ووفور الحظ ولا تغتر بظاهر ما ترى منهم من التبسط في المكاسب والمتاجر