والمزارع (مَتاعٌ قَلِيلٌ) أي الذي ترى من الخير منفعة يسيرة في الدنيا لا قدر لها في مقابلة ما أعد الله للمؤمنين من الثواب قال صلىاللهعليهوسلم : «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع» (١) رواه مسلم. (ثُمَّ مَأْواهُمْ) أي مصيرهم (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٩٧) أي بئس ما مهدوا لأنفسهم جهنم (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) من الشرك والمعاصي وإن أخذوا في التجارة (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) فلا يضرهم ذلك لكسب (نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي حال كون الجنات عطاء وإكراما من الله لهم كما تعد الضيافة للضيف إكراما (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب الدائم (خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) (١٩٨) أي للموحدين مما يتقلب فيه الفجار في الدنيا من المتاع القليل السريع الزوال (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) أي القرآن (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) أي التوراة والإنجيل.
قال ابن عباس وجابر وقتادة نزلت هذه الآية في شأن أضحمة النجاشي حين مات وأخبر جبريل النبي صلىاللهعليهوسلم في ذلك اليوم بموته فقال النبيّ لأصحابه : «اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم» (٢) فخرج إلى البقيع وكشف الله له إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي فصلى عليه ، واستغفر له. فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه. وقال ابن جريج وابن زيد : نزلت في حق عبد الله بن سلام وأصحابه.
وقال عطاء : نزلت في حق أربعين رجلا من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى فأسلموا. وقال مجاهد : نزلت في حق مؤمني أهل الكتاب كلهم (خاشِعِينَ لِلَّهِ) أي متواضعين لله في الطاعة (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي لا يكتمون أمر الرسول ونعته كما يفعله غيرهم من أهل الكتاب لغرض المأكلة والرياسة (أُولئِكَ) أي المتصفون بصفات حميدة (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) في الجنة (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٩٩) أي سريع لإيصال الأجر الموعود إليهم من غير حاجة إلى تأمل لكونه عالما بجميع الأشياء فيعلم ما لكل واحد من الثواب والعقاب. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) على مشقة الاستدلال في معرفة التوحيد والنبوة والمعاد وعلى مشقة استنباط الجواب عن شبهات نحو الفلاسفة وعلى مشقة أداء الواجبات والمندوبات وعلى مشقة الاحتراز عن المنهيات وعلى شدائد الدنيا من المرض والفقر والخوف. (وَصابِرُوا) على تحمل المكاره الواقعة بينكم وبين غيركم
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الجنّة ، باب : ٥٥ ، والترمذي في كتاب الزهد ، باب : ١٥ ، وابن ماجة في كتاب الزهد ، باب : مثل الدنيا ، وأحمد في (م ٤ / ص ٣٩٥).
(٢) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ : ٣٨) ، والسيوطي في الدر المنثور (٢ : ١١٣) ، وابن عدي في الكامل في الضعفاء (٣ : ١١٧١).