وإنزال المنّ والسلوى فيه ، وإعطاء الحجر الذي كان كرأس الرجل يسقيهم ما شاؤوا من الماء متى أرادوا ، وإعطاء عمود من النور ليضيء لهم بالليل وجعل رؤوسهم لا تتشعث ، وثيابهم لا تبلى ، وجعلهم أنبياء وملوكا بعد أن كانوا عبيدا للقبط ، وإنزال الكتب العظيمة التي ما أنزلها الله على أمة سواهم أي أقيموا بشكر تلك النعمة. (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) أي أوفوا بما أمرتكم به من الطاعات ونهيتكم عنه من المعاصي ومن الوفاء بالأمر الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أي أرض عنكم وأدخلكم الجنة. (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٤٠) فيما تأتون وتتركون. واعلم أن كل من كان خوفه في الدنيا أشد كان أمنه يوم القيامة أكثر ، وبالعكس.
روي أنه ينادي مناد يوم القيامة : «وعزتي وجلالي أني لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين من أمنني في الدنيا خوفته يوم القيامة ومن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة». (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) من القرآن (مُصَدِّقاً) أي موافقا بالتوحيد وصفة محمد صلىاللهعليهوسلم وبعض الشرائع (لِما مَعَكُمْ) من التوراة (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) أي بالقرآن من اليهود فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قدم المدينة وفيها قريظة والنضير فكفروا به صلىاللهعليهوسلم ثم تتابعت سائر اليهود على ذلك الكفر. ويقال : ولا تكونوا أول من جحد مع المعرفة لأن كفر قريش كان من الجهل لا مع المعرفة. (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي) أي بكتمان صفة محمد (ثَمَناً قَلِيلاً) أي عوضا يسيرا. وذلك لأن رؤساء اليهود مثل كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وأمثالهما كانوا يأخذون من سفلة اليهود الهدايا ، وعلموا أنهم لو اتبعوا محمدا لانقطعت عنهم تلك الهدايا فأصروا على الكفر لئلا ينقطع عنهم ذلك القدر المحقّر ، وذلك لأن الدنيا كلها بالنسبة إلى الدين قليلة جدا ، ثم تلك الهدايا كانت في نهاية القلة بالنسبة إلى الدنيا (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (٤١) أي فخافوني في شأن هذا النبي صلىاللهعليهوسلم. (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) والباء للاستعانة والمعنى ولا تخلطوا الحق بسبب الشبهات التي توردونها على السامعين ، وذلك لأن النصوص الواردة في التوراة والإنجيل في أمر محمد كانت نصوصا خفية يحتاج في معرفتها إلى الاستدلال ، ثم إنهم كانوا يجادلون فيها ويشوشون وجه الدلالة على المتأملين فيها بسبب إلقاء الشبهات (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤٢) ما في إضلال الخلق من الضرر العظيم العائد عليكم يوم القيامة ، وذلك لأن التلبيس صار صارفا للخلق عن قبول الحق إلى يوم القيامة ، وداعيا لهم إلى الاستمرار على الباطل إلى يوم القيامة ، ثم ذكر الله لزوم الشرائع عليهم بعد الإيمان. (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي أتموا الصلوات الخمس (وَآتُوا الزَّكاةَ) أي أعطوا زكاة أموالكم (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣) أي صلوا الصلوات الخمس مع المصلين محمد وأصحابه في جماعتهم ، وخصّ الله الركوع بالذكر تحريضا لليهود على الإتيان بصلاة المسلمين فإن اليهود لا ركوع في صلاتهم فكأنه تعالى قال : صلوا الصلاة ذات الركوع في جماعة (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ).