مِنْهُ) أي مما تركوه (أَوْ كَثُرَ) وأتى بهذه الجملة لتحقيق أن لكل من الفريقين حقا من كل ما جل ودق ولدفع توهم اختصاص بعض الأموال ببعض الورثة ، كالخيل وآلات الحرب للرجال. (نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٧) أي أعني نصيبا مقدرا مقطوعا بتسليمه إليهم فالوارث لو أعرض عن نصيبه لم يسقط حقه بالإعراض. وهذا إبطال لحكم الجاهلية فإنهم لا يورثون النساء والأطفال ، ويقولون : إنما يرث من طاعن بالرماح وذاد عن الحوزة وحاز الغنيمة وذكر الله في هذه الآية أن الإرث أمر مشترك فيه بين الرجال والنساء ثم ذكر التفصيل في قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ). (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) أي قسمة التركة (أُولُوا الْقُرْبى) أي قرابة الميت الذي ليس بوارث (وَالْيَتامى) أي يتامى المؤمنين (وَالْمَساكِينُ) أي مساكين المؤمنين من الأجانب (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) أي أعطوهم من المال المقسوم شيئا قبل القسمة (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٨) وهذا الإعطاء مندوب إذا كانت الورثة كبارا ، أما إذا كانوا صغارا فليس على الولي إلا القول المعروف كأن يقول : إني لا أملك هذا المال إنما هو لهؤلاء الضعفاء الذين لا يعقلون وإن يكبروا فسيعرفون حقكم أو يقول : سأوصيهم ليعطوك شيئا (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) أي وليخف الذين يحضرون المريض على أولاد المريض إن تركوا بعد موتهم أولادا صغارا خافوا عليهم الضياع. وهذا خطاب مع الذين يجلسون عند المريض فيقولون : إن ذريتك لا يغنون عنك من الله شيئا فأوص بمالك لفلان وفلان ولا يزالون يأمرونه بالوصية إلى الأجانب إلى أن لا يبقى من ماله للورثة شيء أصلا. وحاصل الكلام أنك لا ترضى مثل هذا الفعل لنفسك فلا ترضى لأخيك المسلم عن أنس قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (١) (فَلْيَتَّقُوا اللهَ) في أمر اليتامى (وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (٩) أي عدلا إذا أرادوا بعث غيرهم على فعل بأن يقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة والتأديب ويخاطبون لهم بقولهم : يا ولدي يا بني. وبأن يقولوا للمريض : إذا أردت الوصية فلا تسرف في وصيتك ولا تجحف بأولادك ، ويذكروه التوبة وكلمة الشهادة وبأن يلطف الورثة القول للحاضرين الذين لا يرثون حال قسمة الميراث (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) أي وجه الغضب (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) أي حراما يؤدي إلى النار. أو يقال : يجعل الله في بطونهم
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان ، باب : ٧١ ، والبخاري في كتاب الإيمان ، باب : من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، والترمذي في كتاب القيامة ، باب : ٥٩ ، والنسائي في كتاب الإيمان ، باب : علامة الإيمان ، وابن ماجة في المقدّمة ، باب : في الإيمان ، والدارمي في كتاب الاستئذان ، باب : في حق المسلم على المسلم ، وأحمد في (م ١ / ص ٨٩).