تجارة عن طيب نفس (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا تفعلوا ما تستحقون به القتل من قتل المؤمن بغير حق والردة والزنا بعد الإحصان (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٢٩) حيث نهاكم عن كل ما تستوجبون به مشقة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي ما نهى عنه من قتل النفس وغيره من المحرمات (عُدْواناً) أي إفراطا في مجاوزة حد الحلال (وَظُلْماً) أي إتيانا بما لا يستحقه (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ) أي ندخله (ناراً) هائلة شديدة العذاب (وَكانَ ذلِكَ) أي إصلاؤه النار (عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٣٠) أي هينا (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) في هذه السورة (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي صغائركم من جماعة إلى جماعة ومن جمعة إلى جمعة ومن شهر رمضان إلى شهر رمضان (وَنُدْخِلْكُمْ) في الآخرة (مُدْخَلاً كَرِيماً) (٣١). قرأ نافع بفتح الميم والباقون بالضم أي موضعا حسنا وهو الجنة (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ).
قال ابن عباس : لا يتمنى الرجل مال غيره ودابته وامرأته ولا شيئا من الذي ثبت له كالجاه وغير ذلك مما يجري فيه التنافس ، وذلك هو الحسد المذموم لأن ذلك التفضيل قسمة من الله تعالى صادرة عن حكمة وتدبير لائق بأحوال العباد متفرع على العلم بجلائل شؤونهم ودقائقها ، واسألوا الله من فضله وقولوا : اللهم ارزقنا مثله أو خيرا منه مع التفويض. ويقال : نزلت هذه الآية في حق أم سلمة زوج النبيّ صلىاللهعليهوسلم لقولها للنبيّ : ليت الله كتب علينا ما كتب على الرجال لكي نؤجر كما يؤجر الرجال فنهى الله عن ذلك وقال : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم ـ أي الرجال ـ على بعض ـ أي النساء ـ من الجماعة والجمعة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم بيّن الله تعالى ثواب الرجال والنساء باكتسابهم فقال (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) أي ثواب (مِمَّا اكْتَسَبُوا) أي الخير كالجهاد والنفقة على النساء (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ) أي ثواب (مِمَّا اكْتَسَبْنَ) من الخير في بيوتهن كحفظ فروجهن وطاعة الله وأزواجهن وقيامهن بمصالح البيت من الطبخ والخبز وحفظ الثياب ومصالح المعاش وكالطلق والإرضاع (وَسْئَلُوا اللهَ). قرأ ابن كثير والكسائي وسلوا الله بغير همز (مِنْ فَضْلِهِ) أي واسألوا الله ما احتجتم إليه يعطكم من خزائنه التي لا تنفد.
قال الفخر الرازي : قوله تعالى : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) تنبيه على أن الإنسان لا يجوز له أن يعين شيئا في الطلب والدعاء ولكن يطلب من فضل الله ما يكون سببا لصلاحه في دينه ودنياه على سبيل الإطلاق اه. وقد جاء في الحديث : «لا يتمنين أحدكم مال أخيه ، ولكن ليقل اللهم ارزقني اللهم أعطني مثله». وعن ابن مسعود رضياللهعنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج» (١) (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٣٢) ولذلك
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب الدعوات ، باب : ١١٥.