أي حظا يسيرا (مِنَ الْكِتابِ) أي من علم التوراة (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) أي يؤثرون تكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم ليأخذوا الرشا على ذلك ويحصل لهم الرياسة. كما قاله الزجاج (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) (٤٤) أي ويتوصلون إلى إضلال المؤمنين والتلبيس عليهم لكي يخرجوا عن الإسلام (وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) أي هو سبحانه وتعالى أعلم بكنه ما في قلوبهم من العداوة والبغضاء (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) أي متصرفا في جميع أموركم (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) (٤٥) في كل موطن فثقوا به.
وقال ابن عباس : نزلت هذه الآية في شأن اليسع ورافع بن حرملة ـ حبرين من اليهود ـ دعوا رئيس المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه إلى دينهما. ثم نزل في مالك بن الصيف وأصحابه قوله تعالى (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ) أي من اليهود قوم يغيرون الكلم التي أنزل الله في التوراة عن مواضعه التي وضعه الله تعالى فيها كتحريفهم في نعت النبي (أسمر ربعة) فوضعوا مكانه (آدم طوال). وتحريفهم في (الرجم) فوضعوا بدله (الجلد). ويقولون في الظاهر إذا أمرهم النبيّ عليهالسلام : سمعنا قولك ، وفي أنفسهم وعصينا أمرك. ويقولون في أثناء مخاطبة النبيّ عليهالسلام كلاما ذا وجهين وهو محتمل للخير والشر ، مظهرين المدح ويضمرون الشتم وهو : واسمع منا غير مسمع مكروها. والمراد واسمع منا حال كونك غير مسمع كلاما أصلا لصمم أو موت وهو دعاء منهم على الرسول صلىاللهعليهوسلم بذهاب السمع أو غير مسمع جوابا يوافقك ، فكأنك ما أسمعت شيئا. يقولون للنبي : اسمع ، ويقولون في أنفسهم : لا سمعت ، فقوله غير مسمع ، معناه غير سامع. ويقولون في أثناء خطابهم له صلىاللهعليهوسلم : راعنا وهي كلمة ذات وجهين محتملة للخير إذا حملت على معنى اصرف سمعك إلى كلامنا وأنصت لحديثنا وتفهم وللشر إذا حملت على السب بالرعونة أو على أنهم يريدون إنك يا محمد كنت ترعى أغناما لنا فإنهم يفتلون الحق فيجعلونه باطلا لأن راعنا من المراعاة فيجعلونه من الرعونة. وكانوا يقولون لأصحابهم : إنما نشتمه ولا يعرف ولو كان نبيا لعرف ذلك فأطلعه الله تعالى على خبيث ضمائرهم وعلى ما في قلوبهم من العداوة والبغضاء أي يقولون ذلك لصرف الكلام عن نهجه وللقدح في دين الإسلام بالاستهزاء والسخرية (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا) باللسان أو بالحال عند سماع شيء من أوامر الله تعالى ونواهيه (سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا) بدل ذلك (لَكانَ) قولهم ذلك (خَيْراً لَهُمْ) عند الله (وَأَقْوَمَ) أي أصوب (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) أي أبعدهم عن الهدى بسبب كفرهم بذلك (فَلا يُؤْمِنُونَ) بعد ذلك (إِلَّا قَلِيلاً) (٤٦) أي إلا إيمانا قليلا غير نافع وهو الإيمان بالله والتوراة وموسى ، وكفروا بسائر الأنبياء أو إلا زمانا قليلا وهو زمان الاحتضار فلا ينفعهم الإيمان وبعضهم جعل قليلا مستثنى من الهاء في لعنهم أي إلا نفرا قليلا فلا يلعنهم الله لأنهم لم يفعلوا ذلك بل كانوا مؤمنين كعبد الله بن سلام وأصحابه. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا) أي بالقرآن (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) أي موافقا للتوراة في القصص