في المعنى. لأن الافتراء والكذب متقاربان معنى ، أو معناهما واحد (وَكَفى بِهِ) أي افترائهم هذا (إِثْماً مُبِيناً) (٥٠) في استحقاقهم لأشد العقوبات (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) فكل معبود دون الله فهو جبت وطاغوت ، وكل من دعا إلى المعاصي الكبار فهو طاغوت.
روي أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود بعد قتال أحد ليحالفوا قريشا على محاربة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : أنتم أهل كتاب ، وأنتم أقرب إلى محمد منهم إلينا فلا نأمن مكركم ، فاسجدوا لآلهتنا حتى تطمئن قلوبنا ففعلوا ذلك. فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت لأنهم سجدوا للأصنام وأطاعوا إبليس. فقال أبو سفيان : أنحن أهدى سبيلا أم محمد؟. فقال كعب : ماذا يقول محمد؟ قالوا : يأمر بعبادة الله وحده وينهى عن عبادة الأصنام. قال : وما دينكم؟ قالوا : نحن ولاة البيت نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني. فقال : أنتم أهدى سبيلا وذلك قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي في حق كفار مكة (هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (٥١) أي كفار مكة أبو سفيان وأصحابه أصوب دينا من محمد وأصحابه وذكرهم بلفظ الإيمان ليس من قبل القائلين بل من جهة الله تعالى تعريفا لهم بالوصف الجميل ، وتخطئة لمن رجح عليهم المتصفين بأقبح القبائح (أُولئِكَ الَّذِينَ) أي القائلون : إن عبادة الأوثان أفضل من عبادة الله تعالى (لَعَنَهُمُ اللهُ) أي أبعدهم عن رحمته (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (٥٢) أي ومن يطرده الله عن رحمته فلن تجد أيها المخاطب من يدفع عنه العذاب دنيويا كان أو أخرويا (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) (٥٣) وأم منقطعة عما قبلها. وهذا الاستفهام استفهام إنكاري إبطال على اليهود في قولهم نحن أولى بالملك والنبوة فكيف نتبع العرب؟ وتكذيب لهم في زعمهم إن الملك يعود إليهم في آخر الزمان فيخرج من اليهود من يجدد ملكهم ودولتهم ، ويدعو إلى دينهم. و «إذن» حرف جواب وجزاء لشرط مقدر ورفع الفعل بعدها وإن كان مرجوحا في النحو لأن القراءة سنة متبعة.
وقرئ شاذا على الأرجح بحذف النون. والمعنى ليس لهم من الملك شيء ألبتة ولو كان لليهود نصيب منه فيتسبب عن ذلك أنهم لا يعطون واحدا من الناس قدر ما يملأ النقير. وهو النقرة التي على ظهر النواة التي تنبت منها النخلة وهذا بيان لعدم استحقاقهم له بل لاستحقاقهم الحرمان منه بسبب أنهم من البخل والدناءة بحيث لو أوتوا شيئا من ذلك لما أعطوا الناس من أقل قليل ومن حق من أوتي الملك أن يؤثر الغير بشيء منه (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي بل يحسدون محمدا ومن معه على ما أعطاهم الله من النبوة والكتاب وازدياد العز والنصر يوما فيوما ، وكثرة النساء له صلىاللهعليهوسلم وكانت له يومئذ تسع نسوة. فقالت اليهود : لو كان محمد نبيا لشغله أمر النبوة