تقديره «وحسن أولئك» من جهة الرفيق الممدوحون (ذلِكَ) أي مرافقة هؤلاء المنعم عليهم هو (الْفَضْلُ مِنَ اللهِ) وما سواه ليس بشيء (وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) (٧٠) بجزاء من أطاعه وبمقادير الفضل واستحقاق أهله.
روى جمع من المفسرين أن ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان شديد الحب لرسول الله قليل الصبر عنه فأتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه وعرف الحزن في وجهه فسأله رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن حاله. فقال : يا رسول الله ما بي وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك فذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأني إن دخلت الجنة فأنت تكون في درجات النبيين وأنا في درجات العبيد فلا أراك ، وإن أنا لم أدخل الجنة فحينئذ لا أراك أبدا ، فنزلت هذه الآية.
وقال الشعبي جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يبكي فقال : «ما يبكيك يا فلان؟» فقال : يا رسول الله بالله الذي لا إله إلا هو لأنت أحب إليّ من نفسي وأهلي ومالي وولدي ، وإني لأذكرك وأنا في أهلي فيأخذني مثل الجنون حتى أراك وذكرت موتي وأنك ترفع مع النبيين وإني إن أدخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك فلم يرد النبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) أي خذوا سلاحكم واحترزوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم (فَانْفِرُوا ثُباتٍ) أي انهضوا إلى قتال عدوكم واخرجوا للحرب جماعات متفرقة سرية بعد سرية (أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (٧١) أي مجتمعين كوكبة واحدة (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) أي وإن من عسكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمن يتثاقلن وليتخلفن عن القتال وهم ضعفة المؤمنين والمنافقون (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ) يا معشر المجاهدين (مُصِيبَةٌ) كقتل وهزيمة وجهد من العيش. (قالَ) أي من يبطئ فرحا شديدا بتخلفه وحامدا لرأيه (قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَ) بالقعود (إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) (٧٢) أي حاضرا في المعركة فيصيبني ما أصابهم (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ) كفتح وغنيمة (مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَ) أي من يبطئ ندامة على قعوده (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) وهذه الجملة اعتراض بين الفعل ومفعوله. والمراد التعجب كأنه تعالى يقول : انظروا إلى ما يقول هذا المنافق كأنه ليس بينكم أيها المؤمنون وبين المنافق صلة في الدين ومعرفة في الصحبة ولا مخالطة أصلا (يا لَيْتَنِي كُنْتُ) غازيا (مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) (٧٣) أي فأصيب غنائم كثيرة وآخذ حظا وافرا. وقيل : الجملة التشبيهية حال من ضمير ليقولن أي ليقولن مشبها بمن لا معرفة بينكم وبينه.
وقيل : هي داخلة في المقول أي ليقولن المثبط للمثبطين من المنافقين ، وضعفه المؤمنين : كأن لم تكن بينكم وبين محمد معرفة في الصحة حيث لم يستصحبكم في الغزو حتى تفوزوا بما فاز محمد يا ليتني كنت معهم وغرض المثبط إلقاء العداوة بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم