وجواب الشرط محذوف والمذكور تعليل له. أي ومن أعرض بقلبه عن حكمك يا محمد فأعرض عنه. أو المعنى ومن أعرض عن طاعة الله بظاهرهم فلا ينبغي أن تغتم بسبب ذلك الإعراض وأن تحزن ، فما أرسلناك لتحفظ الناس عن المعاصي. أو المعنى فما أرسلناك لتشتغل بزجرهم عن ذلك التولي. ثم نسخ هذا بآية الجهاد فالله تعالى ذكر هذا الكلام تسلية له صلىاللهعليهوسلم عن الحزن ، فإنه صلىاللهعليهوسلم كان يشتد حزنه بسبب كفرهم وإعراضهم. (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) أي يقول المنافقون ـ عبد الله ابن أبي وأصحابه ـ إذا أمرتهم بشيء : شأننا طاعة أو منا طاعة أو أمرك يا محمد طاعة مر بما شئت نفعله. (فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ) أي خرجوا من مجلسك (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) أي تفكر ليلا فريق من المنافقين وهم رؤساؤهم غير الذي تأمر وتكلموا فيما بينهم بعصيانك وتوافقوا عليه (وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) أي ينزل إليك ما يتدبرونه ليلا في جملة ما يوحي إليك فيطلعك على أسرارهم أو يثبت ذلك في صحائف أعمالهم ليجازوا به (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي لا تهتك سترهم ولا تفضحهم إلى أن يستقيم أمر الإسلام (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في شأنهم فإن الله يكفيك شرهم وينتقم منهم (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٨١) أي مفوضا إليه لمن توكل عليه (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) أي أيعرضون عن القرآن فلا يتأملون فيه ليعلموا كونه من عند الله تعالى بمشاهدة ما فيه من الشواهد التي من جملتها هذا الوحي الناطق بنفاقهم (وَلَوْ كانَ) أي القرآن (مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ) كما يزعمون (لَوَجَدُوا فِيهِ) أي القرآن (اخْتِلافاً كَثِيراً) (٨٢) بأن يكون بعض أخباره غير مطابق للواقع إذ لا علم بالأمور الغيبية ماضية كانت أو مستقبلة لغيره تعالى ، وحيث كانت كلها مطابقة للواقع تعين كونه من عنده تعالى. (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) أي وإذا جاء المنافقين خبر بأمر من الأمور سواء كان من باب الأمن أو من باب الخوف أفشوه وكان ذلك سبب الضرر ، لأن هذه الارجافات لا تنفك عن الكذب الكثير ، ولأن العداوة الشديدة صارت قائمة بين المسلمين والكفار وذلك أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يبعث السرايا ، فإذا غلبوا أو بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم ثم يتحدثون به قبل أن يحدث به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيضعفون به قلوب المؤمنين فأنزل الله هذه الآية. (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي ولو ردوا الخبر الذي تحدثوا به إلى الرسول وإلى ذوي العقل والرأي من المؤمنين وهم كبار الصحابة ـ كأبي بكر ، وعمر وعثمان ، وعلي ـ بأن لم يحدّثوا به حتى يكون هؤلاء هم الذين يظهرونه لعلم ذلك الخبر من يستخرجونه من جهة هؤلاء. أي ولو أن هؤلاء المنافقين المذيعين ردوا أمر الأمن والخوف إلى الرسول وإلى أولي الأمر وطلبوا معرفة الحال فيه من جهتهم لعلمه هؤلاء المنافقون المذيعون من جانب الرسول ومن جانب أولي الأمر (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) ببعثه محمد صلىاللهعليهوسلم وإنزال القرآن (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) وكفرتم بالله (إِلَّا قَلِيلاً) (٨٣) منكم فإن ذلك القليل بتقدير عدم بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وعدم إنزال القرآن ما كان يتبع الشيطان وما كان يكفر بالله وهم مثل قس بن ساعدة وورقة بن نوفل ، وزيد بن عمرو بن نفيل وأضرابهم (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعة الله.