صبرنا. وقال قوم : هم مسلمون وليس لنا أن ننسبهم إلى الكفر إلى أن يظهر أمرهم. فبيّن الله تعالى نفاقهم في هذه الآية (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ) أي ردهم إلى أحكام الكفار من الذل والسبي والقتل (بِما كَسَبُوا) من إظهار الكفر بعد ما كانوا على النفاق. وذلك أن المنافق ما دام يكون متمسكا في الظاهر بالشهادتين لم يكن لنا سبيل إلى قتله فإذا أظهر الكفر فحينئذ يجري الله تعالى عليه أحكام الكفار (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) عن الإيمان (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن دينه (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (٨٨) إلى إدخاله في الإيمان (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا) أي تمنوا كفركم بمحمد والقرآن كفرا مثل كفركم (فَتَكُونُونَ) أنتم وهم (سَواءً) في الكفر (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي إذا كان حالهم ودادة كفركم فلا توالوهم حتى ينتقلوا من أعمال الكفار إلى أعمال المسلمين لأجل أمر الله تعالى.
اعلم أن الهجرة تارة تحصل بالانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان ، وأخرى تحصل بالانتقال عن أعمال الكفار إلى أعمال المسلمين. قال صلىاللهعليهوسلم : «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
وقال المحققون : الهجرة في سبيل الله عبارة عن ترك منهيات الله وفعل مأموراته وذلك يشمل مهاجرة دار الكفر ، ومهاجرة شعار الكفر وإنما قيد الله تعالى الهجرة بكونها في سبيل الله لإخراج الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ومن شعار الكفر إلى شعار الإسلام لغرض من أغراض الدنيا. فإنما المعتبر وقوع تلك الهجرة لأجل أمر الله تعالى (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي أعرضوا عن الإيمان والهجرة ولزموا مواضعهم خارجا عن المدينة (فَخُذُوهُمْ) أي فأسروهم إذا قدرتم عليهم (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) أي في الحل والحرم فإن حكمهم حكم سائر المشركين أسرا وقتلا (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ) في هذه الحالة (وَلِيًّا) يتولى شيئا من مهماتكم (وَلا نَصِيراً) (٨٩) ينصركم على أعدائكم (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ) أي ينتهون (إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) أي إلا من دخل في عهد من كان داخلا في عهدكم فهم أيضا داخلون في عهدكم.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في حق هلال بن عويمر الأسلمي ، وسراقة بن مالك المدلجي وبني خزيمة بن عامر بن عبد مناف. وفي هذه الآية بشارة عظيمة لأهل الإيمان لأنه تعالى لما رفع السيف عمن التجأ إلى من التجأ إلى المسلمين فبأن يرفع العذاب في الآخرة عمن التجأ إلى محبة الله ومحبة رسوله كان أولى. (أَوْ) إلا الذين (جاؤُكُمْ حَصِرَتْ) أي ضاقت (صُدُورُهُمْ) عن المقاتلة فلا يريدون (أَنْ يُقاتِلُوكُمْ) لأنكم مسلمون وللعهد (أَوْ) لا يريدون أن (يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ) لأنهم أقاربهم فهم لا عليكم ولا لكم. أي لما أمر الله بأخذ الكفار وقتلهم استثنى من المأمور فريقين أحدهما من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين والآخر من أتى المؤمنين وكف عن قتال الفريقين (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) ببسط صدورهم