أي شرع ذلك تجاوزا من الله على تقصيره في ترك الاحتياط لأنه لو بالغ في الاحتياط لم يصدر عنه ذلك الفعل (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بأن القاتل لم يتعمد (حَكِيماً) (٩٢) في أنه تعالى ما يؤاخذه بذلك الخطأ (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ).
روي أن مقيس بن ضبابة الكناني كان قد أسلم هو وأخوه هشام ، فوجد مقيس أخاه هشاما قتيلا في بني النجار فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذكر له القصة فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم معه زبير ابن عياض ـ الفهري وكان من أصحاب بدر ـ إلى بني النجار يأمرهم بتسليم القاتل إلى مقيس ليقتص منه إن علموه وبأداء الدية إن لم يعلموه. فقالوا : سمعا وطاعة ، فأتوه بمائة من الإبل فانصرفا راجعين إلى المدينة حتى إذا كانا ببعض الطريق تغفل مقيس الكناني رسول سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم الفهري فرماه بصخرة فشدخه ، ثم ركب بعيرا من الإبل واستاق بقيتها راجعا إلى مكة كافرا ، فنزلت هذه الآية وهو الذي استثناه رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الفتح ممن أمنه فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة (خالِداً فِيها) حال مقدرة من فاعل فعل مقدر يقتضيه المقام. كأنه قيل : فجزاؤه أن يدخل جهنم خالدا فيها (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ) أي انتقم منه عطف على مقدر كأنه قيل بطريق الاستئناف : حكم الله بأن جزاءه ذلك وغضب عليه (وَلَعَنَهُ) أي أبعده عن الرحمة بجعل جزائه ما ذكر (وَأَعَدَّ لَهُ) في جهنم (عَذاباً عَظِيماً) (٩٣) لا يقدر قدره.
وقال ابن عباس : ومن يقتل مؤمنا رسول سيدنا رسول الله متعمدا بقتله ـ أي بأن يقصد قتله بالسبب الذي يعلم إفضاءه إلى الموت سواء كان ذلك جارحا أو لم يكن ـ فجزاؤه جهنم بقتله عامدا عالما بكونه مؤمنا خالدا فيها بشركه وارتداده وغضب الله عليه بأخذه الدية ، ولعنه بقتله غير قاتل أخيه ، وأعدّ له عذابا عظيما أي شديدا بجراءته على الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي سافرتم في الغزو (فَتَبَيَّنُوا) أي تحققوا حتى يتبين لكم المؤمن من الكافر. قرأ حمزة والكسائي هنا في الموضعين. وفي الحجرات : (فَتَبَيَّنُوا) أي اطلبوا التثبت. والمراد في الآية فتأنوا واتركوا العجلة واحتاطوا (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) أي لا تقولوا بغير تأمل لمن حياكم بتحية الإسلام أو لمن ألقى إليكم الانقياد بقول : لا إله إلّا الله محمد رسول الله (لَسْتَ مُؤْمِناً) فتقتلونه (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي حال كونكم طالبين لماله الذي هو سريع النفاد (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) أي ثواب كثير (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) أي مثل ذلك الذي ألقى إليكم السلام كنتم أنتم أيضا في أول إسلامكم لا يظهر منكم للناس غير ما ظهر منه لكم من تحية الإسلام ونحوها. (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) بأن قيل منكم تلك المرتبة وعصم بها دماءكم وأموالكم ولم يأمر بالتفحص عن سرائركم (فَتَبَيَّنُوا) أي إذا كان الأمر كذلك أي فقيسوا حاله بحالكم وافعلوا به ما فعل بكم في أوائل أموركم من قبول ظاهر الحال من غير