التَّوَّابُ) أي المتجاوز لمن تاب (الرَّحِيمُ) (٥٤) على من مات على التوبة. (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) وذلك لما رجع موسى عليهالسلام من الطور إلى قومه ، فرأى ما هم عليه من عبادة العجل حرق العجل وألقاه في البحر ، واختار من قومه سبعين رجلا من خيارهم فلما خرجوا إلى الطور قالوا لموسى : سل ربك حتى يسمعنا كلامه. فسأل موسى عليهالسلام ذلك ، فأجابه الله ولما دنا من الجبل وقع عليه عمود من الغمام ، وتغشى الجبل كله ، ودنا من موسى ذلك الغمام حتى دخل فيه ، فقال للقوم : ادخلوا. وكان موسى عليهالسلام متى كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم النظر إليه ، وسمع القوم كلام الله مع موسى عليهالسلام يقول له : «افعل كذا ، ولا تفعل كذا». فلما تمّ الكلام انكشف عن موسى الغمام الذي دخل فيه. فقال القوم بعد ذلك : لا نصدق لك بأن ما نسمعه كلام الله حتى نرى الله معاينة ، فأحرقتهم نار من السماء وماتوا جميعا ، وقام موسى رافعا يديه إلى السماء يدعو ويقول : يا إلهي اخترت من بني إسرائيل سبعين رجلا ليكونوا شهودي بقبول توبتهم فأرجع إليهم وليس معي منهم واحد فما الذي يقولون؟! فلم يزل موسى مشتغلا بالدعاء حتى ردّ الله أرواحهم وبطلت توبة بني إسرائيل من عبادة العجل. فقال : لا أقبل إلا أن يقتلوا أنفسهم (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (٥٥) إلى النار الواقعة من السماء (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) أي ثم أحييناكم بعد حرقكم بالنار وبعد موتكم يوما وليلة وذلك لإظهار آثار القدرة ، وليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم ولو ماتوا بانقضاء آجالهم لم يحيوا إلى يوم القيامة (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥٦) أي لكي تشكروا إحيائي (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) أي جعلنا السحاب الرقيق يظلكم من حر الشمس أي وكان يسير بسيرهم وكانوا يسيرون ليلا ونهارا ، وينزل عليهم بالليل عمود من نور يسيرون في ضوئه وثيابهم لا تتسخ ولا تبلى ـ وذلك في التيه ـ وهو واد بين الشام ومصر ، وقدره تسعة فراسخ مكثوا فيه أربعين سنة متحيرين لا يهتدون إلى الخروج منه ، وسبب ذلك مخالفتهم أمر الله تعالى بقتال الجبارين الذين كانوا بالشام حيث امتنعوا من القتال. (وَأَنْزَلْنا) في التيه (عَلَيْكُمُ الْمَنَ) وهو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار ، طعمه كالشهد. وكان يقع على أشجارهم من الفجر إلى طلوع الشمس لكل إنسان صاع. (وَالسَّلْوى) فكان كل واحد منهم يأخذ ما يكفيه يوما وليلة ، وإذا كان يوم الجمعة يأخذ كل واحد منهم ما يكفيه ليومين لأنه لم يكن ينزل يوم السبت ، «والسلوى» وهو طائر ليس له ذنب ولا يطير إلا قليلا ويموت إذا سمع صوت الرعد ، كما أن «الخطاف» يقتله البرد فيلهمه الله أن يسكن جزائر البحر التي لا يكون فيها مطر ولا رعد إلى انقضاء أوان المطر والرعد ، فيخرج من الجزائر وينتشر في الأرض. وخاصيته أن أكل لحمه يلين القلوب القاسية. (كُلُوا) أي وقلنا لهم : كلوا (مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي من مستلذات ما رزقناكموه ولا تدخروا لغد فادخروا فقطع الله ذلك عنهم ودوّد ما ادّخروه. (وَما ظَلَمُونا) أي وما نقصونا بما