للاختلاف بالذات بين التفضيلين على أن المراد بالتفضيل الأول ما أعطاهم الله تعالى عاجلا في الدنيا من الغنيمة والظفر ، والذكر الجميل الحقيق بكونه درجة واحدة وبالتفضيل الثاني ما أنعم به في الآخرة من الدرجات العالية كأنه قيل : وفضلهم عليهم في الدنيا درجة واحدة وفي الآخرة درجات لا تحصى. أما أولو الضرر فهم مساوون للمجاهدين ويدل على المساواة النقل والعقل. أما النقل : فقوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [التين : ٥ ، ٦] وذكر بعض المفسرين في تفسير ذلك أن من صار هرما كتب الله له أجر ما كان يعمله قبل هرمه ، غير منقوص من ذلك شيئا. وأما العقل : فالمقصود من جميع الطاعات استنارة القلب بنور معرفة الله تعالى فإن حصل الاستواء فيه للمجاهد والقاعد فقد حصل الاستواء في الثواب ، وإن كان القاعد أكثر خطأ من هذا الاستغراق كان هو أكثر ثوابا.
وقال بعضهم : والمراد بقوله : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ) لدفع التكرار هو من كان مجاهدا في كل الأمور بالظاهر والقلب. وهو أشرف أنواع المجاهدة ، وحاصل هذا الجهاد صرف القلب من الالتفات إلى غير الله إلى الاستغراق في طاعة الله ولما كان هذا المقام أعلى جعل فضيلته درجات. (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي ملك الموت وأعوانه وهم ستة : ثلاثة منهم يلون قبض أرواح المؤمنين. وثلاثة يلون قبض أرواح الكفار. (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بترك الهجرة واختيار مجاورة الكفرة الموجبة للإخلال بأمور الدين فإن هذه الآية نزلت في ناس من مكة قد أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة ، فقتلوا يوم بدر مع الكفار منهم : علي بن أمية بن خلف ، والحرث بن زمعة ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العاص بن منبه بن الحجاج ، وأبو قيس بن الفاكه (قالُوا) أي الملائكة لهم حين القبض : (فِيمَ كُنْتُمْ) أي في أيّ شيء كنتم من أمر دينكم أي أكننتم في أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم أم كنتم مشركين أو فيم كنتم في حرب محمد أو في حرب أعدائه. (قالُوا) معتذرين اعتذارا غير صحيح : (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) أي كنا مقهورين في أرض مكة في أيدي الكفار (قالُوا) أي الملائكة لهم توبيخا مع ضرب وجوههم وأدبارهم (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) أي إنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم فبقيتم بين الكفار.
وقال ابن عباس : أي ألم تكن المدينة آمنة فتهاجروا إليها (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ) في الآخرة (جَهَنَّمُ) كما أن مأواهم في الدنيا دار الكفر لتركهم الفريضة فـ «مأواهم» مبتدأ ، و «جهنم» خبره ، والجملة خبر لـ «أولئك». وهذه الجملة خبران وقوله تعالى : «قالوا فيم كنتم» حال من «الملائكة» أو هو الخبر والعائد منه محذوف أي قالوا لهم : (وَساءَتْ مَصِيراً) (٩٧) أي بئس مصيرهم جهنم (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) أي الصبيان أو المماليك (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) أي لا