مجرى الرؤية في القوة والظهور ، وكان عمر يقول : لا يقولن أحدكم : قضيت بما أراني الله تعالى فإن الله تعالى لم يجعل ذلك إلا لنبيه ، والرأي منا يكون ظنا لا علما. نزلت هذه الآية في شأن رجل من الأنصار يقال له : طعمة ابن أبيرق من بني ظفر سرق درعا من جاره قتادة بن النعمان وهي في جراب دقيق ، فصار الدقيق يتناثر من خرق فيه ، فخبأها عند زيد بن سمين اليهودي ، فالتمست الدرع عند طعمة ، فلم توجد ، فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها. فقال : دفعها إليّ طعمة وشهد له ناس من اليهود. فقالت بنو ظفر : انطلقوا بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم نشهد إن اليهودي هو السارق لئلا نفتضح بل عزموا على الحلف فذهبوا وشهدوا زورا ، ولم يظهر له صلىاللهعليهوسلم قادح فيهم فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بضرب اليهودي أو بقطع يده لثبوت المال عنده. فأعلمه الله الحال بالوحي فهمّ أن يقضي على طعمة فهرب إلى مكة وارتد ونقب حائطا ليسرق متاع أهله فوقع عليه فقتله ومات مرتدا في مكة. (وَلا تَكُنْ) يا أشرف الخلق (لِلْخائِنِينَ) أي لأجل المنافقين وللذب عنهم وهم طعمة وقومه بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر. كما أخرجه الترمذي من حديث قتادة بن النعمان (خَصِيماً) (١٠٥) أي مخاصما لمن كان بريئا عن الذنب وهو اليهودي (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) من همك بضرب اليهودي زيد بن سمين تعويلا على شهادتهم لأنهم كانوا في الظاهر مسلمين. فاستغفاره صلىاللهعليهوسلم بسبب ذلك الهمّ بالحكم الذي لو وقع لكان خطأ في نفسه وإن كان معذورا عند الله فيه فأمر صلىاللهعليهوسلم بالاستغفار لهذا القدر فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (١٠٦) أي مبالغا في المغفرة والرحمة لمن يستغفره. (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) طعمة ومن عاونه من قومه من علم كونه سارقا (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) (١٠٧) فإن طعمة خان في الدرع وأثم في نسبة اليهودي إلى تلك السرقة ، وطلب من النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يدفع السرقة عنه ويلحقها باليهودي. وهذا يبطل رسالة الرسول ومن حاول إبطاله ذلك وإظهار كذبه فهو كافر. وقيل : إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات.
وروي عن عمر أنه أمر بقطع يد السارق فجاءت أمه تبكي وتقول : هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه. فقال عمر : كذبت إن الله لا يؤاخذ عبده في أول الأمر. (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) أي يستترون منهم حياء وخوفا من ضرر (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) أي ولا يستحيون منه تعالى ولا يخافون من عذابه تعالى (وَهُوَ مَعَهُمْ) بعلمه ورؤيته وقدرته (إِذْ يُبَيِّتُونَ) أي يقدرون في أذهانهم (ما لا يَرْضى) أي الله (مِنَ الْقَوْلِ) وهو أن طعمة قال : أرمي اليهودي بأنه هو الذي سرق الدرع ، وأحلف أني لم أسرقها فيقبل الرسول يميني لأني على دينه ولا يقبل يمين اليهودي. (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) (١٠٨) لا يعزب عنه تعالى شيء ولا يفوت (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) أي أنتم يا قوم طعمة (جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي هبوا أنكم خاصمتم عن طعمة وأمثاله في الدنيا.