وقرأت عائشة رضياللهعنها «إلّا أوثانا». وابن عباس «إلّا إثنا». جمع وثن مثل أسد وأسد ، والهمزة بدل من الواو المضمومة. (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ) أي وما يعبدون إلّا شيطانا شديد البعد عن الطاعة طرده الله من كل خير لأن إبليس هو الذي أمرهم بعبادة الأوثان فكانت طاعته في ذلك عبادة له. (وَقالَ) أي الشيطان عند ذلك (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (١١٨) أي لأجعلن لي من عبادك حظا مقدرا معينا وهم الذين يتبعون خطوات إبليس ويقبلون وساوسه.
وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من كل ألف واحد لله وسائره للناس ولإبليس».(وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) عن الهدى (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) أي ألقين في قلوبهم الأماني وهي تورث شيئين :الحرص ، والأمل. وهما يستلزمان أكثر الأخلاق الذميمة ، ويلازمان للإنسان. قال صلىاللهعليهوسلم : «يهرم ابن آدم ويشب معه اثنان : الحرص والأمل»(١). اه. فالحرص يستلزم ركوب الأهوال فإذا اشتد حرصه على الشيء فقد لا يقدر على تحصيله إلّا بمعصية الله وإيذاء الخلق ، وإذا طال أمله نسي الآخرة وصار غريقا في الدنيا فلا يكاد يقدم على التوبة ولا يكاد يؤثر فيه الوعظ ، فيصير قلبه كالحجارة أو أشد قسوة (وَلَآمُرَنَّهُمْ) بالتبتيك أي شق آذان الناقة (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) فإن العرب كانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها (وَلَآمُرَنَّهُمْ) بالتغيير (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) صورة أو صفة كإخصاء العبيد وفقء العيون وقطع الآذان والوشم والوشر ، ووصل الشعر. فإن المرأة تتوصل بهذه الأفعال إلى الزنا وكانت العرب إذا بلغت إبل أحدهم ألفا عوروا عين فحلها. ويدخل في هذه الآية التخنث والسحاقات لأن التخنث عبارة عن ذكر يشبه الأنثى والسحق عبارة عن أنثى تشبه الذكر وعموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقا ، لكن الفقهاء رخصوا في البهائم للحاجة فيجوز في المأكول الصغير وبحرم في غيره. (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ) بأن فعل ما أمره الشيطان به وترك ما أمره الرحمن به (فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) (١١٩) أي بتضييع أصل ماله وهو الدين الفطري كما قال صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على الفطرة ـ أي دين الإسلام ـ ولكن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» (٢). وذلك لأن طاعة الله تفيد المنافع العظيمة الدائمة وطاعة الشيطان تفيد
__________________
(١) رواه أحمد في (م ٣ / ص ١١٥).
(٢) رواه البخاري في كتاب القدر ، باب : الله أعلم بما كانوا عاملين ، ومسلم في كتاب القدر ، باب : ٢٢ ، وأبو داود في كتاب السنّة ، باب : في ذراري المشركين ، والترمذي في كتاب القدر ، باب : ٥ ، والموطأ في كتاب الجنائز ، باب : جامع الجنائز ، وأحمد في (م ٢ / ص ٢٣٣).