التفاوت في الميل القلبي لأن ذلك خارج عن وسعكم ولكنكم منهيون عن إظهار ذلك التفاوت في القول والفعل (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) أي فتبقى الأخرى لا أيم ولا ذات بعل. كما أن الشيء المعلق لا يكون على الأرض ولا على السماء وفي قراءة أبي فتذروها كالمسجونة (وَإِنْ تُصْلِحُوا) ما مضى من ميلكم وتتداركوه بالتوبة (وَتَتَّقُوا) في المستقبل عن مثله غفر الله لكم ذلك (فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (١٢٩) فيغفر ما حصل في القلب من الميل إلى بعضهن دون البعض ويتفضل عليكم برحمته (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) أي وإن رغبا في المفارقة بأن لم يتفقا بصلح أو غيره يغن الله كل واحد منهما عن صاحبه بزوج خير من زوجه الأول يعيش أهنأ من عيشه الأول من غناه تعالى وقدرته (وَكانَ اللهُ واسِعاً) أي في العلم والقدرة والرحمة والفضل والجود (حَكِيماً) (١٣٠) أي متقنا في أفعاله وأحكامه (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الموجودات من الخلائق والخزائن فيهما (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) أي ولقد أمرنا اليهود والنصارى ومن قبلهم من الأمم وأمرناكم يا أمة محمد في كتابكم بطاعة الله وهي وصية الله في الأولين والآخرين فهي شريعة عامة لجميع الأمم لم يلحقها نسخ (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً) (١٣١) أي وقلنا لهم ولكم : إن تكفروا فاعملوا أن لله ما في سماواته وما في أرضه من أصناف المخلوقات من يعبده وكان مع ذلك غنيا عن خلقهم وعن عباداتهم ومستحقا لأن يحمد لكثرة نعمه ، وإن لم يحمده أحد منهم فهو تعالى في ذاته محمود سواء حمدوه أو لم يحمدوه فلا يتضرر بكفرهم ومعاصيهم ، كما لا ينتفع بشكرهم وتقواهم ، وإنما وصاهم بالتقوى لرحمته لا لحاجته ، فهو منزه عن طاعات المطيعين ، وعن ذنوب المذنبين فلا يزداد جلاله بالطاعات ولا ينقص بالمعاصي والسيئات (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلائق قاطبة مفتقرون إليه في الوجود وسائر النعم المتفرعة عليه لا يستغنون عن فيضه طرفة عين. فحقه أن يطاع ولا يعصى ، ويتقى عقابه ويرجى ثوابه (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (١٣٢) في تدبير أمور الكل وكل الأمور فلا بد من أن يتوكل عليه لا على أحد سواه (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) أي إن يشأ إفناءكم بالكلية وإيجاد قوم آخرين يشتغلون بعبوديته وتعظيمه ، يفنكم بالمرة ويوجد مكانكم قوما خيرا منكم وأطوع لله. (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ) أي إهلاككم وتخليف غيركم (قَدِيراً) (١٣٣) أي إن إبقاءكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم ولعدم تعلق إرادته باستئصالكم لا لعجزه تعالى عن ذلك (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي من كان يريد بعمله منفعة الدنيا فلا يقتصر عليه وليطلب الثوابين فعند الله ثواب الدارين.
وقال الفخر الرازي : تقرير الكلام ، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده الله تعالى وعلى هذا التقدير يتعلق الجزاء بالشرط. وقال ابن عباس : من كان يريد منفعة الدنيا بعمله الذي