افترضه الله عليه فليعمل لله فإن ثواب الدنيا والآخرة بيد الله ، أي فإن العاقل يطلب ثواب الآخرة حتى يحصل له ذلك ويحصل له ثواب الدنيا على سبيل التبع (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (١٣٤) أي عالما بجميع المسموعات والمبصرات (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) أي كونوا مبالغين في اختيار العدل وفي الاحتراز عن الجور تقيمون شهادتكم لوجه الله كما أمرتم بإقامتها (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) أي ولو كانت وبالا على أنفسكم أو آبائكم أو أقاربكم (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) أي إن يكن المشهود عليه غنيا أو فقيرا فلا تكتموا الشهادة إما لطلب رضا الغني أو للترحم على الفقير أولى بأمورهما ومصالحهما وفي قراءة أبي فالله أولى بهم. وهو إما راجع إلى قوله «أو الوالدين والأقربين» ، أو راجع إلى جنس الغني وجنس الفقير.
وقرأ عبد الله «إن يكن غني أو فقير» على كان التامة (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) أي لأجل أن تعدلوا. والمعنى اتركوا متابعة الهوى حتى تصيروا موصوفين بصفة العدل (وَإِنْ تَلْوُوا) بواوين على قراءة الجمهور أي وإن تحرفوا ألسنتكم عن شهادة الحق.
وقرأ ابن عامر وحمزة «وإن تلوا» بضم اللام وحذف الواو الأولى أي إن تتموا الشهادة وتقبلوا عليها (أَوْ تُعْرِضُوا) عن أداء الشهادة أصلا (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (١٣٥) فيجازي المحسن المقبل والمسيء المعرض. نزلت هذه الآية في مقيس بن حبابة كانت عنده شهادة على أبيه. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في الماضي والحاضر (آمَنُوا) في المستقبل (بِاللهِ وَرَسُولِهِ) محمد صلىاللهعليهوسلم (وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) وهو القرآن (وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) أي قبل القرآن. أو المعنى يا أيها الذين آمنوا على سبيل التقليد آمنوا على سبيل الاستدلال ، أو يا أيها الذين آمنوا بحسب الاستدلالات الجملية آمنوا بحسب الدلائل التفصيلية وهذا خطاب لكافة المسلمين. وقيل : هو خطاب لمؤمني أهل الكتاب لما أن عبد الله بن سلام وابن أخته سلامة ، وابن أخيه سلمة وأسدا وأسيدا بني كعب وثعلبة بن قيس ، ويامين بن يامين ، أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : يا رسول الله إنّا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه من الكتب والرسل ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «بل آمنوا بالله ورسوله محمد وبكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله» (١) فقالوا : لا نفعل فنزلت هذه الآية فآمنوا كلهم (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي ومن يكفر بواحد من ذلك المذكور (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (١٣٦) بحيث يعسر العود من الضلال إلى سواء الطريق (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) أي إن
__________________
(١) رواه السيوطي في الدر المنثور (٢ : ٢٣٤) ، وابن حجر في الكاف والشاف في تخريج أحاديث الكشاف (٥٠).