يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) أي نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض (وَيُرِيدُونَ) بقولهم ذلك (أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ) أي بين الإيمان بالكل أو الكفر بالكل (سَبِيلاً) (١٥٠) أي دينا وسطا وهو الإيمان بالبعض دون البعض (أُولئِكَ) الموصوفون بالصفات القبيحة (هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) أي كفرا كاملا ثابتا يقينا لأنه تعالى قد أمرهم بالإيمان بجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما من نبي من الأنبياء إلا وقد أخبر قومه بحقيقة دين نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم فمن كفر بواحد منهم فقد كفر بالكل وبالله تعالى (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) اليهود وغيرهم (عَذاباً مُهِيناً) (١٥١) أي شديدا يهانون به (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) في الإيمان به (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ).
وقرأ عاصم في رواية حفص بالياء ، والضمير راجع إلى اسم الله. والباقون بالنون (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما فرط منهم (رَحِيماً) (١٥٢) أي مبالغا في الرحمة عليهم بتضعيف حسناتهم (يَسْئَلُكَ) يا أشرف الخلق (أَهْلُ الْكِتابِ) أي أحبار اليهود (أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ).
روي أن كعبا وأصحابه وفنحاص قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن كنت رسولا من عند الله فإننا بكتاب من السماء جملة كما جاء موسى بالألواح أي فلا تبال يا أشرف الخلق بسؤالهم فإنه عادتهم (فَقَدْ سَأَلُوا) أي اليهود (مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) أي أعظم مما سألوك (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) أي أرناه نره معاينة (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) أي فأحرقتهم النار التي جاءت من السماء (بِظُلْمِهِمْ) وهو سؤالهم لما يستحيل وقوعه في ذلك الوقت (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) أي عبدوه (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) أي الصاعقة وإحياؤهم بعد موتهم ومعجزات موسى التي أظهرها لفرعون من العصا واليد البيضاء وفلق البحر وغيرها. (فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) أي تركنا عبدة العجل ولم نستأصلهم (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) (١٥٣) أي قهرا ظاهرا عليهم فإنه أمرهم بقتل أنفسهم توبة من عبادة العجل فبادروا إلى الامتثال فقتل منهم سبعون ألفا في يوم واحد (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ) أي بسبب ميثاقهم على أن لا يرجعوا عن الدين ليخالفوا فلا ينقضوه فإنهم هموا بنقضه (وَقُلْنا) على لسان موسى أو على لسان يوشع (لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ) أي باب بيت المقدس أو أريحا (سُجَّداً) أي مطأطئين الرؤوس (وَقُلْنا لَهُمُ) على لسان داود (لا تَعْدُوا) أي لا تظلموا باصطياد الحيتان (فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ) على الامتثال بما كلفوه (مِيثاقاً غَلِيظاً) (١٥٤) أي مؤكدا.
وقال ابن عباس : وهو ميثاق وثيق في محمد صلىاللهعليهوسلم (فَبِما نَقْضِهِمْ) فـ «ما» مقحمة والباء للسببية متعلقة بمحذوف أي فعلناهم بسبب نقضهم (مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ) أي بالمعجزات فمن أنكر معجزة رسول واحد فقد أنكر جميع معجزات الرسل (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) أي بلا