جرم فإنهم معصومون من كل نقيصة لا يتوجه عليهم حق (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) أي أوعية للعلم فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا فكذبوا الأنبياء بهذا القول. أو المعنى قلوبنا في أغطية جبلية فهي لا تفقه ما تقولون (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) أي بل أحدث الله عليها صورة مانعة عن وصول الحق إليها. أو بل ختم الله على قلوبهم بكفرهم (فَلا يُؤْمِنُونَ) أي اليهود (إِلَّا قَلِيلاً) (١٥٥) أي إلّا فريقا منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه ، أو فلا يؤمنون. أي المطبوع على قلوبهم إلّا إيمانا قليلا ، وهو الإيمان بموسى والتوراة بحسب زعمهم فإن من يكفر برسول واحد وبمعجزة واحدة لا يمكنه الإيمان بأحد من الرسل ألبتة (وَبِكُفْرِهِمْ) لإنكارهم قدرة الله تعالى عن خلق الولد من دون الأب (وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) (١٥٦) أي نسبتهم مريم إلى الزنا بعد ما ظهر منها من الكرامات الدالة على براءتها من كل عيب ، فإنها ملازمة للعبادة بأنواع الطاعات وعيسى تكلم حال كونه طفلا منفصلا عن أمه (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) وصلبناه (رَسُولَ اللهِ) أي في زعم عيسى نفسه فإن وصفهم له بوصف الرسالة استهزاء به أوان الله وضع الذكر الحسن بقوله رسول الله مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم فإنهم قالوا : هو ساحر ابن ساحرة. أو إن رسول الله وصف له من عند الله تعالى مدحا له وتنزيها له عن مقالتهم التي لا تليق به. قال الله تعالى إبطالا لافتخارهم بقتل النبي والاستهزاء به : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ). قال كثير من المتكلمين : إن اليهود لما قصدوا قتله رفعه الله تعالى إلى السماء فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة من عوامهم لما أنهم اجتمعوا على قتله ، لأن الله مسخ من سبوه وسبوا أمه قردة وخنازير بدعائه عليهم فأخذوا إنسانا يقال له : ططيانوس اليهودي وقتلوه وصلبوه ، ولبسوا على الناس أنه المسيح والناس ما كانوا يعرفونه إلّا بالاسم لأنه كان قليل المخالطة للناس ، ثم إن تواتر النصارى ينتهي إلى أقوام قليلين لا يبعد اتفاقهم على الكذب. وقال الضحاك : لما أرادوا قتل عيسى اجتمع الحواريون في غرفة وهم اثنا عشر رجلا فدخل عليهم المسيح من مشكاة الغرفة فأخبر إبليس جميع اليهود فركب أربعة آلاف رجل فأخذوا باب الغرفة فقال المسيح للحواريين : «أيكم يخرج ويقتل ويكون معي في الجنة؟». فقال رجل يقال له سرجس : أنا يا نبي الله. فألقى إليه مدرعته من صوف وعمامته من صوف وناوله عكازه ، وألقى الله عليه شبه عيسى فخرج على اليهود فقتلوه وصلبوه وأما المسيح فكساه الله تعالى الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فصار مع الملائكة. (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي في شأن عيسى (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) أي من قتله (ما لَهُمْ بِهِ) أي بقتله (مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) أي لكنهم يتبعون الظن فإن فسر الشك بالجهل والعلم بالاعتقاد الذي تسكن إليه النفس فالاستثناء متصل ، أي لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس فقال بعض اليهود : إنه كان كاذبا فقتلناه حقا. وقال بعضهم : الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا فليس هذا المقتول بعيسى.