وقال آخرون : بل هو هو. وقال بعضهم : إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟! (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) (١٥٧) أي قتلا يقينا كما قالوا : إنا قتلنا المسيح (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) أي إلى موضع لا يجري فيه حكم غير الله تعالى ولا يصل إليه حكم آدمي وذلك الموضع هو السماء الثالثة (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) أي كامل القدرة (حَكِيماً) (١٥٨) أي كامل العلم فرفع عيسى من الأرض إلى السماء لا تعذر فيه بالنسبة إلى قدرة الله تعالى وحكمته (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) أي وما من اليهود والنصارى أحد إلّا ليؤمنن بعيسى قبل أن تزهق روحه بأنه عبد الله ورسوله فلا ينفعه إيمان لانقطاع وقت التكليف. كما نقل عن محمد بن علي بن أبي طالب من الحنيفة أن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة وجهه ودبره. وقالوا يا عدو الله أتاك عيسى نبيا فكذبت به فيقول : آمنت بأنه عبد الله ورسوله. ويقال للنصراني : أتاك عيسى نبيا فزعمت أنه هو الله وابن الله فيقول : آمنت أنه عبد الله وابنه فأهل الكتاب يؤمنون به ولكن لا ينفعهم ذلك الإيمان (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ) أي عيسى عليهالسلام (عَلَيْهِمْ) أي أهل الكتاب (شَهِيداً) (١٥٩) فيشهد على اليهود أنهم كذبوه وطعنوا فيه وعلى النصارى أنهم أشركوا به وكل نبي شاهد على أمته (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) أي فبسبب ظلم عظيم من الذين تابوا من عبادة العجل (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) فإن اليهود كانوا كلما فعلوا معصية من المعاصي يحرم الله عليهم نوع من الطيبات التي كانت محللة لهم ولمن قبلهم عقوبة لهم. (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) (١٦٠) أي وبمنعهم عن دين الله ناسا كثيرا (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) فإن الربا كان محرما عليهم كما هو محرّم علينا (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) أي بطريق الرشوة (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ) أي هيأنا للمصرّين على الكفر من اليهود (عَذاباً أَلِيماً) (١٦١) سيذوقونه في الآخرة كما ذاقوا في الدنيا عقوبة التحريم (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) أي لكن المتمكنون في علم التوراة من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه (وَالْمُؤْمِنُونَ) منهم ومن المهاجرين والأنصار (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وهو القرآن (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) على سائر الأنبياء من الكتب (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي وأعني المقيمين الصلاة ، وهم المؤتون الزكاة. فـ «المقيمين» نصب على المدح لبيان فضل الصلاة. وجاء في مصحف عبد الله بن مسعود و «المقيمون الصلاة» بالواو وهي قراءة مالك بن دينار والجحدري ، وعيسى الثقفي ، وابن جبير ، وعاصم عن الأعمش وعمرو بن عبيد (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
قال أبو السعود : والمراد بالكل مؤمنو أهل الكتاب (أُولئِكَ) أي المتصفون بتلك الصفات الجميلة من أهل الكتاب (سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) (١٦٢) وجملة هذه خبر اسم الإشارة والجملة من المبتدأ والخبر خبر قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ) وما عطف عليه والسين لتأكيد الوعد (إِنَّا