أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد نوح (وَ) كما (أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) ابني إبراهيم (وَيَعْقُوبَ) ابن إسحاق (وَالْأَسْباطِ) أي أولاد يعقوب الاثني عشر فمنهم يوسف نبي رسول باتفاق وفي البقية خلاف (وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا) أي وكما أعطيناه أباه (داوُدَ زَبُوراً) (١٦٣) وكان فيه مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم من الأحكام وإنما هي حكم ومواعظ وتسبيح وتقديس ، وتحميد وتمجيد وثناء على الله تعالى. وكان داود عليهالسلام يخرج إلى البرية فيقوم ويقرأ الزبور وتقوم علماء بني إسرائيل خلفه ويقوم الناس خلف العلماء وتقوم الجن خلف الناس والشياطين خلف الجن وتجيء الدواب التي في الجبال فيقمن بين يديه وترفرف الطيور على رؤوس الناس وهم يستمعون لقراءة داود ويتعجبون منها ، فلما قارف الخطيئة زال عنه ذلك (وَ) كما أرسلنا (رُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ) أي سميناهم لك في القرآن وعرفناك أخبارهم وما حصل لهم من قومهم (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل هذه السورة أو هذه الآية أو قبل هذا اليوم (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي لم نسمهم لك ولم نعرفك أخبارهم. والمعنى إنا أوحينا إليك إيحاء مثل ما أوحينا إلى نوح ومثل ما أوحينا إلى إبراهيم ومن بعده. وآتيناك الفرقان إيتاء مثل ما آتينا داود زبورا وأرسلنا رسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا آخرين لم نقصصهم عليك من غير تفاوت بينك وبينهم في حقيقة الإيحاء وأصل الإرسال فما للكفرة يسألونك شيئا لم يعطه أحد من هؤلاء الرسل عليهمالسلام (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (١٦٤) أي كلمه على التدريج شيئا فشيئا بحسب المصالح بغير واسطة ملك أي أزال الله تعالى عنه الحجاب حتى سمع المعنى القائم بذاته تعالى ، لا أنه تعالى أحدث ذلك لأنه تعالى يتكلم أبدا. والمعنى أنه تعالى بعث هؤلاء الأنبياء والرسل ، وخصّ موسى عليهالسلام بالتكلم معه ولم يلزم من تخصيص موسى بهذا التشريف الطعن في نبوة سائر الأنبياء عليهمالسلام فكذلك لم يلزم من تخصيص موسى بإنزال التوراة عليه دفعة واحدة طعن فيمن أنزل الله عليه الكتاب متفرقا وقد فضل الله تعالى نبينا محمدا صلىاللهعليهوسلم بإعطائه مثل ما أعطي كل واحد منهم.
وقرأ إبراهيم ويحيى بن وثاب وكلم الله بالنصب (رُسُلاً) منصوب على المدح أو بإضمار أرسلنا أو على الحال الموطئة لما بعدها أو على البدلية من رسلا الأول (مُبَشِّرِينَ) لأهل الطاعة بالجنة (وَمُنْذِرِينَ) للعصاة بالنار (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ) أي معذرة يعتذرون بها (بَعْدَ الرُّسُلِ) أي بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب. والمعنى لئلا يحتج الناس يوم القيامة على الله في ترك التوحيد والطاعة بعدم الرسل فيقولوا : لم لم ترسل إلينا رسولا ولم لم تنزل علينا كتابا؟ فإن الله لا يعذب الخلق قبل بعثة الرسل وإن قبول المعذرة عنده تعالى بمقتضى كرمه ورحمته لعباده وهي بمنزلة الحجة التي لا مرد لها ، وله تعالى أن يفعل ما يشاء كيف يشاء (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يغالب في أمر من أموره (حَكِيماً) (١٦٥) في أفعاله فاختلاف الكتب في كيفية النزول وتغايرها في