ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) [الجاثية : ١٣] فقال إذا يلزم أن يكون جميع تلك الأشياء جزاء منه تعالى فانقطع النصراني فأسلم وفرح الرشيد فرحا شديدا ، وأعطى للمروزي عطاء عظيما (فَآمِنُوا بِاللهِ) واعتقدوا ألوهيته وحده (وَرُسُلِهِ) أجمعين وصفوهم بالرسالة ولا تصفوا واحدا منهم بالألوهية (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) أي الآلهة ثلاثة : الله ، والمسيح ، ومريم. ولا تقولوا : إن الله واحد بالجوهر ثلاثة بالأقانيم (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) أي انتهوا عن مقالتكم بالتثليث يكن ذلك الانتهاء خيرا لكم (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) أي منفرد في ألوهيته (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) أي أسبحه تسبيحا من أن يكون له ولد أو سبحوه تسبيحا من ذلك.
وقرأ الحسن «إن يكون» بكسر الهمزة ورفع الفعل أي سبحانه ما يكون له ولد (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فمن كان مالكا لهما وما فيهما كان مالكا لعيسى ومريم وإذا كانا مملوكين له فكيف يتوهم كونهما له ولدا وزوجة (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (١٧١) أي ربا للخلق فإنه كاف في تدبير المخلوقات وفي حفظ المحدثات فلا حاجة معه إلى إثبات إله آخر (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) أي لن يترفع عن أن يكون عبدا له تعالى. أي مقرا بالعبودية لله مستمرا على عبادته وطاعته.
روي أن وفد نجران قالوا : يا محمد إنك تعيب صاحبنا فتقول : إنه عبدا لله فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنه ليس بعار على عيسى أن يكون عبدا لله» قالوا : بلى ، فنزلت : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ).
وقرأ علي بن أبي طالب رضياللهعنه عبيدا لله بصيغة التصغير (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) أي ولا يستنكف الملائكة المقربون كحملة العرش أن يقروا بالعبودية لله. أي لن يستنكف المسيح عن عبادة الله تعالى بسبب أنه قادر على الإتيان بخوارق العادات من الإحياء والإبراء وعالم بالمغيبات مخبر عنها وممتاز عن سائر أفراد البشر بالولادة من غير أب وبالرفع إلى السماء فإن الملائكة المقربين أعلى حالا منه في العلم بالمغيبات لأنهم مطلعون على اللوح المحفوظ وأعلى حالا منه في القدرة ، لأن أربعة منهم حملوا العرش على عظمته ، وأنهم مخلوقون من غير أب وأم ومقارهم السموات العلى ، ولا خلاف لأحد في علو درجتهم من هذه الحالات وإنما الخلاف في علوها من حيث كثرة الثواب على الطاعات ، ثم إن الملائكة مع كمال حالهم في العلوم والقدرة لن يستنكفوا عن عبودية الله فكيف يستنكف المسيح عن عبوديته بسبب هذا القدر القليل الذي كان معه من العلم والقدرة (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (١٧٢) أي ومن يترفع عن طاعته تعالى ويعد نفسه كبيرا ، أي يعتقدها كذلك فإن الله يجمع المترفعين والمعتقدين أنفسهم كبيرة ومقابليهم ـ وهم غيرهم ـ إليه تعالى يوم القيامة حيث لا يملكون لأنفسهم شيئا