فيجازيهم (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) من غير أن ينقص منها شيئا أصلا (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) بتضعيفها أضعافا كثيرة وبإعطاء ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، أي على وجه التفصيل وإنما يخطر نعيم الجنان على قلوبنا ، ونسمعه من ألسنة على وجه الإجمال. (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا) عن عبادته تعالى (وَاسْتَكْبَرُوا) أي عدوا أنفسهم كبيرة (فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً) بما وجدوا من لذاذة الترفع والتكبر (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) يلي مصالحهم (وَلا نَصِيراً) (١٧٣) ينجيهم من عذاب الله (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ) أي رسول (مِنْ رَبِّكُمْ) وهو محمد صلىاللهعليهوسلم وإنما سماه برهانا لأن حرفته إقامة البرهان على تحقيق الحق وإبطال الباطل (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (١٧٤) أي نيرا بنفسه منورا لغيره وهو القرآن وذلك بواسطة إنزاله على الرسول وسماه نورا لأنه سبب لوقوع نور الإيمان في القلب أي فمنهم من آمن ومنهم من كفر (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ) في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه وأسمائه (وَاعْتَصَمُوا بِهِ) أي بالله في أن يثبتهم على الإيمان ويصونهم عن نزغ الشيطان (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ) وهي الجنة ومنفعتها (وَفَضْلٍ) أي إحسان زائد كالنظر إلى وجهه الكريم والتعظيم وغير ذلك من مواهب الجنة (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (١٧٥) وهو الإسلام والطاعة والسعادة الروحانية. والجار والمجرور في محل نصب حال من «صراطا» ، والضمير المجرور عائد على «الله» بتقدير مضاف أي إلى ثوابه (يَسْتَفْتُونَكَ) أي يسألونك عن محمد عن الكلالة.
روى الشيخان عن جابر بن عبد الله قال : مرضت فأتاني رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر يعوداني ماشيين فأغمي عليّ ، فتوضأ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ثم صبّ علي من وضوئه فأفقت ، فإذا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا رسول الله كيف أصنع في مالي ، كيف أقضي في مالي؟ فلم يرد عليّ شيئا حتى نزلت آية الميراث (يَسْتَفْتُونَكَ) الآيات.
وروى الطبري عن قتادة أن الصحابة أهمهم شأن الكلالة فسألوا عنها النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله هذه الآيات (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) وهو اسم يقع على الوارث وعلى الموروث ، فإن وقع على الوارث فهو من سوى الوالد والولد ، وإن وقع على الموروث فهو الذي مات ولا يرثه أحد من الوالدين ولا أحد من الأولاد (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) أي إن مات امرؤ غير ذي ولد ووالد وله أخت شقيقة أو من الأب فللأخت نصف ما ترك بالفرض والباقي للعصبة أولها بالرد إن لم يكن له عصبة (وَهُوَ) أي المرء الكلالة (يَرِثُها) أي يرث أخته جميع ما تركت إن فرض موتها مع بقائه (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) ذكر أو أنثى فإن كان لها أو له ولد ذكر فلا شيء له أو لها أو ولد أنثى فله أو لها الباقي من نصيبها (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) أي فإن كان من يرث بالأخوة أختين شقيقتين ، أو من أب فصاعدا فلهما لأكثر الثلثان مما