قال الكثير من الفقهاء : إنما يحل نكاح الكتابية التي دانت بالتوراة والإنجيل قبل نزول القرآن فمن دان بذلك الكتاب بعد نزول القرآن خرج عن حكم الكتاب ، وهذا مذهب الإمام الشافعي رضياللهعنه. وأما أهل المذاهب الثلاثة فلم يقولوا بهذا التفصيل بل أطلقوا القول بحل أكل ذبائح أهل الكتاب وحل التزويج من نسائهم ولو دخلوا في دين أهل الكتاب بعد نسخه (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) وتقييد التحليل بإعطاء المهور يدل على تأكد وجوبها وعلى أن الأكمل بيانها لا هو شرط لصحة العقد إذ لا تتوقف على دفع المهر ولا على التزامه ومن تزوج امرأة وعزم على أن لا يعطيها صداقها كان في صورة الزاني وتسمية المهر بالأجر يدل على أن أقل الصداق لا يتقدر كما أن أقل الأجر لا يتقدر في الإجارات (مُحْصِنِينَ) أي متزوجين (غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي غير معلنين بالزنا (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) أي ولا مسرين بالزنا بمن لها حليل (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) أي ومن يكفر بشرائع الله وبتكاليفه فقد بطل ثواب عمله الصالح سواء عاد إلى الإسلام أولا (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٥) إذا لم يعد إلى الإيمان بما نزل في القرآن حتى يموت على الكفر. أما إذا عاد إلى الإيمان بذلك قبل الموت فإن عمله لا يبطل فلا يجب إعادة صلاة وحج قد أتاهما قبل الردة. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) أي إذا أردتم الاشتغال بإقامة الصلاة وأنتم على غير وضوء (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فإن صب الماء على المرفق حتى سال الماء إلى الكف فلا يجوز لأنه تعالى جعل المرافق غاية الغسل فجعله مبدأ الغسل خلاف الآية ، كذا قال بعضهم.
وقال جمهور الفقهاء : إن ذلك لا يخل بصحة الوضوء إلا أنه يكون تركا للسنة (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) قيل : الباء فارقة بين حمل المسح بالكل والبعض كما في قولك : مسحت المنديل ومسحت يدي بالمنديل. فقولك : مسحت المنديل لا يصدق إلا عند مسحه بالكلية. وقولك : مسحت بالمنديل يكفي في صدقه مسح اليدين بجزء من أجزاء ذلك المنديل وتحقيق هذه الباء أنها تدل على تضمين الفعل معنى الإلصاق فكأنه قيل : وألصقوا المسح برءوسكم وذلك لا يقتضي الاستيعاب (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).
قرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر عنه بالجر. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بالنصب أما القراءة بالجر فهي معطوفة على الرؤوس فكما يجب المسح في الرؤوس كذلك في الأرجل ، وإنما عطفت الأرجل على الممسوح للتنبيه على الإسراف في استعمال الماء فيها لأنها موضع صب الماء كثيرا. والمراد غسلها أو مجرورة بحرف جر محذوف متعلق بفعل محذوف تقديره وافعلوا بأرجلكم غسلا ، وحذف حرف الجر وإبقاء الجر جائز ولا يجوز هذا الكسر على الجوار على أنه منصوب في المعنى عطف على المغسول لأنه