فرسخا طولا ، وأوحى الله تعالى إلى موسى عليهالسلام : «بي حلفت لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبديّ يوشع وكالب ولأتيهنهم في هذه البرية أربعين سنة مكان كل يوم من الأيام التي تجسسوا سنة» ـ أي كانت مدة غيبة النقباء للتجسس أربعين ـ يوما «ولألقين جيفهم في هذه القفار» ـ أي مات أولئك العصاة فيها ـ «وأهلك النقباء العشرة فيها بعقوبات غليظة وأما بنوهم الذين لم يعملوا الشر فيدخلون تلك الأرض المقدسة» اه.
قال ابن عباس : وكلهم ستمائة ألف مقاتل وكانوا يسيرون كل يوم جادين فإذا أمسوا كانوا في الموضع الذي ارتحلوا عنه ، وكان الغمام يظللهم من الشمس وكان عمود نور يطلع بالليل فيضيء لهم ، وكان طعامهم المن والسلوى وماؤهم من الحجر الذي يحملون ولا تطول شعورهم. وهذه الإنعامات عليهم مع أنهم معاقبون لما أن عقابهم كان بطريق التأديب.
وروي أن موسى وهارون كانا معهم ولكن كان ذلك لهما راحة وسلامة كالنار لإبراهيم ولملائكة العذاب عليهمالسلام وزيادة في درجتهما وعقوبة لهم ومشاهدتهم لهما حال العقوبة أبلغ (فَلا تَأْسَ) أي لا تحزن (عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦).
قال مقاتل : إن موسى لما دعا عليهم أخبره الله تعالى بأحوال التيه ، ثم إن موسى عليهالسلام أخبر قومه بذلك فقالوا له : لم دعوت علينا؟ وندم موسى على ما عمل فأوحى الله إليه لا تأس على القوم الفاسقين فإنهم أحقاء بذلك لفسقهم (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِ) أي اذكر يا أكرم الخلق لقومك وأخبرهم خبر ابني آدم قابيل وهابيل ملتبسا بالصدق ليعتبروا به وهذه القصة دالة على أن كل ذي نعمة محسود فلما كانت نعم الله سيدنا محمد أعظم النعم كان أهل الكتاب استخرجوا أنواع المكر في حقه صلىاللهعليهوسلم حسدا منهم ، فكان ذكر هذه القصة تسلية من الله تعالى لرسوله. قال محمد بن إسحاق : إن آدم كان يغشي حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت بقابيل وأخته ، فلم تجد عليهما وحما ولا وصبا ولا طلقا ولم تر دما وقت الولادة فلما هبطا إلى الأرض تغشاها ، فحملت بهابيل وتوأمته فوجدت عليهما الوحم والصب والطلق والدم.
وقال بعضهم : غشي آدم حواء بعد مهبطهما إلى الأرض بمائة سنة فولدت له قابيل وأقليما في بطن ، ثم هابيل ولبودا في بطن. فإن حواء كانت تلد لآدم في كل بطن غلاما وجارية إلا شيئا فإنها وضعته مفردا عوضا عن هابيل ، وجملة أولاد آدم تسعة وثلاثون في عشرين بطنا أولهم قابيل وتوأمته أقليما وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أم المغيث ، ويتزوج كل من الذكور غير توأمته. وأمر الله آدم أن يزوج قابيل لبودا أخت هابيل وينكح هابيل أقليما أخت قابيل ـ وهي أحسن من لبودا ـ