(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) بترك المنهيات (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) بفعل المأمورات (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) أي في سبيل عبوديته وطريق الإخلاص في معرفته وخدمته (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣٥) نبيل مرضاته وبالفوز بكراماته.
اعلم أن مجامع التكليف محصورة في نوعين : أحدهما : ترك المنهيات وهو المشار إليه بقوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ). وثانيهما : فعل المأمورات وهو المشار إليه بقوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ). والمراد بطلب الوسيلة إليه تعالى هو تحصيل مرضاته وذلك بالعبادات والطاعات. ولما أمر الله تعالى بترك ما لا ينبغي وبفعل ما ينبغي وكان الانقياد لذلك من أشق الأشياء على النفس وأشدها ثقلا على الطبع ، لأن النفس لا تدعو إلا إلى المشتهيات واللذات المحسوسة أردف ذلك التكليف بقوله : (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) أي بمحاربة أعدائه البارزة والكامنة ، ثم إن من يعبد الله تعالى فريقان : منهم من يعبد الله لا لغرض سوى الله وهو المشار إليه بقوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) ومنهم من يعبده للثواب مثلا وهو المشار إليه بقوله : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي تفوزون بالمحبوب وتخلصون عن المكروه. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ) أي لو ثبت أن لكل واحد منهم (ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) أي من أصناف أموالها وسائر منافعها قاطبة (وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ) أي ليجعلوا كلا منهما فدية لأنفسهم (مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي من العذاب الواقع يومئذ (ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣٦) تصريح بعدم قبول الفداء وتصوير للزوم العذاب فلا سبيل لهم إلى الخلاص منه. وعن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «يقال للكافر يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به؟ فيقول : نعم ، فيقال له : قد سئلت أيسر من ذلك فأبيت» (١) (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ) بتحويل حال إلى حال. وقيل : يتمنون الخروج إذا رفعهم لهب النار إلى فوق ويقصدونه. وقيل : يكادون يخرجون منها لقوة النار ودفعها لهم. وقيل : يريدون الخروج بقلوبهم كما قرأ بعضهم «أن يخرجوا» بالبناء للمفعول (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ) أي الكافرين خاصة دون عصاة المؤمنين (عَذابٌ مُقِيمٌ) (٣٧) أي دائم لا ينقطع تارة بالبر وتارة بالحر وتارة بغيرهما. (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) أي أيمانهما من الكوع. كما يدل عليه قراءة ابن مسعود رضياللهعنه «والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم» لأنه صلىاللهعليهوسلم أتى بسارق وهو طعمة فأمر بقطع يمينه من الرسغ. (جَزاءً بِما كَسَبا) أي لجزاء فعلهما (نَكالاً) أي للإهانة والذم (مِنَ اللهِ) فجزاء مفعول من أجله وعامله فاقطعوا نكالا مفعول من أجله وعامله جزاء على طريقة الأحوال المتداخلة كما تقول : ضربت ابني تأديبا له ، إحسانا إليه ، فالتأديب علة للضرب والإحسان علة للتأديب (وَاللهُ عَزِيزٌ) في انتقامه
__________________
(١) رواه أحمد في (م ٣ / ص ٢٩١).