ويهبط يعود عليه (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٧٤) أي إن الله محافظ لأعمال القاسية قلوبهم حتى يجازيهم بها في الآخرة ، وقرأ ابن كثير بالياء على الغيبة (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) أي أفتطمعون أيها النبي والمؤمنون أن يؤمن هؤلاء اليهود بواسطتكم ويستجيبوا لكم ، والحال أن طائفة منهم وهم أحبارهم يسمعون كلام الله في التوراة ، ثم يغيرونه من بعد المعنى الذي فهموه بعقولهم وهم يعلمون أنهم مفترون ، وذلك كنعت محمد صلىاللهعليهوسلم فكانت صفته صلىاللهعليهوسلم في التوراة ، أكحل العين ، ربعة ، جعد الشعر ، حسن الوجه فكتبوا بدلها طويلا ، أزرق العين سبط الشعر.
وقال ابن عباس : والمعنى أفترجو يا أشرف الخلق أن تؤمن بك اليهود. والحال أن أسلافهم وهم السبعون المختارون للميقات الذين كانوا مع موسى يسمعون كلام الله بلا واسطة ، ثم يغيرونه من بعد ما علموه يقينا وهم يعلمون أنهم يغيرونه ، وذلك أنهم قالوا : سمعنا الله يقول في آخر كلامه : «إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم أن لا تفعلوا فلا بأس» (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) أي إن منافقي أهل الكتاب كانوا إذا لقوا أصحاب سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم قالوا لهم : آمنا بالذي آمنتم به ، ونشهد أن صاحبكم صادق ، وأن قوله : حق ونجد نعته في كتابنا (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ) أي رجع الساكتون الذين لم ينافقوا (إِلى بَعْضٍ) آخر منهم وهو منافقوهم (قالُوا) أي الساكتون موبخين للمنافقين (أَتُحَدِّثُونَهُمْ) أي المؤمنين (بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) أي بما بيّن الله لكم في التوراة من صفة النبي صلىاللهعليهوسلم (لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) أي ليقيموا الحجة عليكم بما أنزل ربكم في كتابه في ترك اتباع محمد مع إقراركم بصدقه. وقوله تعالى : (لِيُحَاجُّوكُمْ) متعلق بالتحديث والمراد بهذا تشديد التوبيخ فإن التحديث بذلك لأجل هذا الغرض مما لا يكاد يصدر عن العاقل أي أتحدثونهم بذلك ليحتجوا عليكم بكتاب الله وحكمه ، ويقال : عند الله كذا معناه في كتابه وحكمه (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٧٦) إن ذلك لا يليق بما أنتم عليه. (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَ) أي اللائمون أو المنافقون أو كلاهما (اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (٧٧) أي إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان وإخفاء ما فتح الله عليهم ، وإظهار غيره فيرعووا عن ذلك. (وَمِنْهُمْ) أي اليهود (أُمِّيُّونَ) أي جهلة (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) أي لا يعرفونه بقراءة ولا كتابة وطريقتهم التقليد (إِلَّا أَمانِيَ) أي إلّا ما هم عليه من أمانيهم في أن الله لا يؤاخذهم بخطاياهم ، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، ومما تحملهم أخبارهم على تمني قلوبهم من أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة ، ومن أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا ، وقال الأكثرون إلا بقدر ما يتلى عليهم فيسمعونه أو لا يقرءون إلا قراءة عارية عن معرفة المعنى (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٧٨) أي ما هم يعرفون إلا بأن يذكر لهم تأويله فظنوه (فَوَيْلٌ) أي عذاب أليم أو مسيل صديد أهل جهنم أو شدة الشر (لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا) في الكتاب الذي جاء (مِنْ عِنْدِ اللهِ