صلوات الله عليهم (وَفَرِيقاً) منهم (يَقْتُلُونَ) (٧٠) كزكريا ويحيى عليهماالسلام وقصدوا أيضا قتل عيسى وإن كان الله منعهم عن مرادهم وهم يزعمون أنهم قتلوه ، فذكر التكذيب بلفظ الماضي إشارة إلى معاملتهم مع موسى عليهالسلام فإنهم كذبوه في كل مقام ، وتمردوا على أوامره لأنه قد انقضى من ذلك الزمان أدوار كثيرة ، وذكر القتل بلفظ المضارع إشارة إلى معاملتهم مع زكريا ويحيى وعيسى عليهمالسلام لكون ذلك الزمان قريبا فكان كالحاضر ومحافظة للفاصلة (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي ظن بنو إسرائيل أن لا يوحّد بلاء وعذاب بقتل الأنبياء وتكذيبهم لأنهم كانوا يعتقدون أن كل رسول جاءهم بشرع آخر غير شرعهم يجب عليهم تكذيبه وقتله لأنهم اعتقدوا أن النسخ ممتنع على شرع موسى وكانوا يعتقدون أن نبوة أسلافهم تدفع عنهم العقاب الذي يستحقونه بسبب ذلك القتل والتكذيب (فَعَمُوا) عن الهدى (وَصَمُّوا) عن الحق فخالفوا أحكام التوراة فقتلوا شعياء وحبسوا أرمياء عليهماالسلام فسلط الله تعالى عليهم بختنصر عامل لهراسب على بابل ، فاستولى على بيت المقدس ، فقتل من أهله أربعين ألفا ممن يقرأ التوراة ، وذهب بالبقية إلى أرضه ، فبقوا هناك دهرا طويلا على أقصى الذل إلى أن أحدثوا توبة صحيحة (ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) حين تابوا فوجه الله تعالى ملكا عظيما من ملوك فارس إلى بيت المقدس ليعمره ، ونجّى بقايا بني إسرائيل من أسر بختنصر وردّهم إلى وطنهم ، وتراجع من تفرّق منهم في الأكناف فعمره ثلاثين سنة فكثروا وكانوا كأحسن ما كانوا عليه.
وقيل : لما ورث بهمن الملك من جده ألقى الله تعالى في قلبه شفقة عليهم فردّهم إلى الشام ، وملّك عليهم دانيال عليهالسلام ، فاستولوا على من كان فيها من أتباع بختنصر ، فقامت فيهم الأنبياء فرجعوا إلى أحسن ما كانوا عليه من الحال (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) فعادوا إلى الفساد واجترءوا على قتل زكريا ويحيى ، وقصدوا قتل عيسى فبعث الله تعالى عليهم الفرس فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه خيدرود ففعل بهم ما فعل. قيل : دخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم فوجد فيه دما يغلي ، فسألهم فقالوا : دم قربان لم يقبل منا ، فقال : ما صدقوني فقتل عليه ألوفا منهم ، ثم قال : إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحدا. فقالوا : إنه دم يحيى عليهالسلام ، فقال : بمثل هذا ينتقم الله تعالى منكم. ثم قال : يا يحيى قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك فاهدأ بإذن الله تعالى قبل أن لا أبقى أحدا منهم فهدأ (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (٧١) أي وإن دق فيجازيهم به وفق أعمالهم (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ).
قيل : هم الملكانية والمار يعقوبية منهم القائلون بالاتحاد. وقيل : هم اليعقوبية خاصة لأنهم يقولون : إن مريم ولدت إلها ، ولعل معنى هذا المذهب أنهم يقولون : إن الله تعالى حلّ في