لمن تاب وآمن (رَحِيمٌ) (٧٤) لمن مات على التوبة (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين مضوا من قبله ، جاء بآيات من الله كما أتوا بأمثالها فليس بإله كالرسل الخالية قبله فإنهم لم يكونوا آلهة فإن كان الله أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يد عيسى عليهالسلام ، فقد فلق البحر وأحيا العصا وجعلها حية تسعى على يد موسى عليهالسلام وهو أعجب منه ، وإن كان الله خلقه من غير أب فقد خلق آدم من غير أب وأم وهو أغرب منه (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) أي وما أمه إلا صديقة أي تلازم الصدق وتصدق الأنبياء وتبالغ في بعدها عن المعاصي وفي إقامة مراسم العبودية كسائر النساء اللاتي يلازمن الاتصاف بذلك فما رتبة عيسى إلا رتبة نبي ، وما رتبة أمه إلا رتبة صحابي فمن أين لكم أن تصفوهما بما لا يوصف به سائر الأنبياء وخواص الناس؟ فإن أعظم صفات عيسى عليهالسلام الرسالة ، وأكمل صفات أمه الصديقية وذلك لا يستلزم لهما الألوهية (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) كسائر أفراد البشر. (انْظُرْ) يا أشرف الخلق (كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ) أي العلامات بأن عيسى ومريم لم يكونا بإلهين وببطلان ما تقولوا عليهما (ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٧٥) أي كيف يصرفون عن استماع الآيات وعن التأمل فيها فالله بيّن لهم الآيات بيانا عجبا وإعراضهم عنها أعجب منها (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) وهو عيسى عليهالسلام فإن مذهب النصارى أن اليهود صلبوه ومزقوا أضلاعه ولما عطش وطلب الماء منهم صبوا الخل في منخريه ومن كان في الضعف هكذا كيف يعقل أن يكون إلها؟ فلو كان كذلك لامتنع كونه مشغولا بعبادة الله تعالى! ومن كان كذلك كان محتاجا إليه في تحصيل المنافع ودفع المضار ومن كان كذلك كيف يقدر على إيصال المنافع إلى العباد ودفع المضار عنهم؟ وإذا كان كذلك كان عبدا كسائر العبيد (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٧٦). والمراد من هذه الجملة التهديد أي سميع بكفرهم ولمقالتهم في عيسى وأمه عليم بضمائرهم وبعقوبتهم (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) أي يا معشر اليهود والنصارى (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ) أي لا تتجاوزوا الحد في دينكم تجاوزا باطلا فإن الغلو في الدين نوعان : غلو حق وهو أن يجتهد في تحصيل حججه وتقريرها كما يفعله المتكلمون وغلو باطل وهو أن يتكلف في تقرير الشبه ويتجاوز الحق ويعرض عن الأدلة وذلك الغلو هو رفع النصارى لعيسى فقالوا : إنه إله وخفص اليهود له فقالوا : إنه ابن زنا وإنه كذاب (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) أي لا تتبعوا مذاهب قوم قد ضلوا من قبلكم عن التوراة والإنجيل (وَأَضَلُّوا كَثِيراً) من الناس بتماديهم في الباطل (وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (٧٧) أي عن الدين الحق وعن القرآن بسبب اعتقادهم في ذلك الإضلال أنه إرشاد إلى الحق (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي لعن الله تعالى اليهود في الزبور والنصارى في الإنجيل (عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) فاليهود لعنوا على لسان