خاصة على رؤوس الأشهاد للتوبيخ (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ) أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله تعالى (الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٢٢) أي تزعمونها شركاء وإنها شفعاء لكم عند الله.
قال ابن عباس : وكل زعم في كتاب الله كذب (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) أي افتتانهم بالأوثان (إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢٣) أي لم تكن عاقبة افتتانهم بشركهم إلا براءتهم منه فحلفهم أنهم ما كانوا مشركين. ومثاله أن ترى إنسانا يحب صاحبا مذموم الطريقة فإذا وقع في محنة بسببه تبرأ منه. قرأ ابن عامر وابن كثير وحفص عن عاصم «ثم لم تكن» بالتاء الفوقية و «فتنتهم» بالرفع. وقرأ حمزة والكسائي «لم يكن» بالياء التحتية و «فتنتهم» بالنصب. وقرأ حمزة والكسائي «ربنا» بنصبه على النداء أو المدح. والباقون بالكسر (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) بإنكار صدور الإشراك عنهم في الدنيا (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٤) أي وكيف زال عنهم افتراؤهم بعبادة الأصنام فلم تغن عنهم شيئا وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها لهم (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) أي وبعض من أهل مكة من يستمع إلى كلامك حين تتلو القرآن (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) أي وقد ألقينا على قلوبهم أغطية كثيرة كراهة أن يفقهوا ما يستمعونه من القرآن وفي آذانهم صمما وثقلا مانعا من سماعه ، فمحل «أن يفقهوه» مفعول معه بحذف المضاف أو مفعول لفعل مقدر أي منعناهم أن يفقهوه مجموع القدرة على الإيمان مع الداعي إليه يوجب الفعل. فالكفر من الله تعالى وتكون تلك الداعية الجارة إلى الكفر كنانا للقلب عن الإيمان ووقرا للسمع عن استماع دلائل الإيمان (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) أي وأن يشاهدوا كل آية من الآيات القرآنية بسماعها كفروا بكل واحدة منها لأجل أن الله تعالى جعل على قلوبهم أكنة (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي بلغوا بتكذيبهم الآيات إلى أنهم إذا جاءوا إليك يجادلونك (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٥) أي ما هذا الذي يقول محمد إلا خرافات الأولين وكذبهم أي إن هذا الكلام من جنس سائر الحكايات المكتوبة للأولين وإذا كان هذا كذلك فلا يكون معجزا خارقا للعادة وجملة قوله تعالى : (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) تفسير لقوله : (يُجادِلُونَكَ) أي يناكرونك.
قال ابن عباس رضياللهعنهما : حضر عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبو سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة والنضر بن الحرث ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأمية وأبيّ ابنا خلف والحرث بن عامر ، وأبو جهل واستمعوا إلى القرآن فقالوا للنضر وكان كثير الأخبار للقرون الماضية : يا أبا قتيبة ما يقول محمد؟ قال : ما أدري ما يقول ، لكني أراه يحرك شفتيه ويتكلم بأساطير الأولين كالذي كنت أحدثكم به عن أخبار القرون الأولى. فقال أبو سفيان : إني أرى بعض ما يقول حقا ، فقال أبو جهل : كلا أي لا تقرّ بشيء من هذا فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) وأولئك الكفار ينهون الناس عن استماع القرآن لئلا يقفوا على حقيته فيؤمنوا به (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) أي ويتباعدون عنه