حتى يقاد للشاة الجماء من القرناء» (١). قال المفسرون : إنه تعالى بعد توفير العوض عليها يجعلها ترابا وعند هذا (يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠]. (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) التي هي من القرآن (صُمٌ) لا يسمعونها سمع تدبر وفهم فلذلك يسمونها أساطير الأولين (وَبُكْمٌ) لا يقدرون على أن ينطقوا بالحق ولذلك لا يستجيبون دعوة الرسول بها (فِي الظُّلُماتِ) أي في ضلالات الكفر والجهل والعناد فلا يهتدون سبيلا (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) أي من يشاء الله إضلاله يخلق الله الضلال فيه ويمته على الكفر فيضل يوم القيامة عن طريق الجنة وعن وجدان الثواب (وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٩) أي ومن يشأ أن يجعله على طريق يرضاه وهو الإسلام يجعله عليه ويهده إليه ويمته عليه فلا يضل من مشى إليه ولا يزل من ثبت قدمه عليه (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٠) أي قل يا أكرم الرسل لكفار مكة : يا أهل مكة أخبروني إن أتاكم عذاب الله في الدنيا كالغرق أو الخسف أو المسخ ، أو نحو ذلك أو أتاكم العذاب عند قيام الساعة أترجعون إلى غير الله في دفع ذلك البلاء؟ أو ترجعون فيه إلى الله تعالى إن كنتم صادقين في أن أصنامكم آلهة فأجيبوا سؤالي؟ أو المعنى إن كنتم قوما صادقين فأخبروني أإلها غير الله تدعون إلخ (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ) أي إنكم لا ترجعون في طلب دفع البلية إلا إلى الله تعالى فيكشف الضر الذي من أجله دعوتم بمحض مشيئته (وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) (٤١) أي وتتركون الأصنام ولا تدعونهم لعلمكم أنها لا تضر ولا تنفع (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) أي وبالله لقد أرسلنا إلى أمم كثيرة كائنة من زمان قبل زمانك رسلا فخالفوهم فعاقبناهم بشدة الفقر والخوف من بعضهم والأمراض والأوجاع (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (٤٢) أي لكي يدعوا الله تعالى في كشفها بالتذلل ويتوبوا إليه من كفرهم ومعاصيهم (فَلَوْ لا) أي فهلا (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤٣) من الكفر والمعاصي أي فلم يؤمنوا حين جاءهم عذابنا ولكن ظهر منهم الكفر ووسوس لهم الشيطان إن حال الدنيا هكذا تكون شدة ثم نعمة فلم يخطروا ببالهم أن ما أصابهم من الشدائد ما أصابهم إلا لأجل عملهم الفاسد (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) أي فلما انهمكوا في المعاصي وتركوا ما وعظوا به من الشدائد فتحنا عليهم فنون النعماء على منهاج الاستدراج (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) أي حتى إذا اطمأنوا بما فتح لهم وبطروا بأن ظنوا أن الذي نزل بهم من الشدائد ليس على سبيل الانتقام من الله وأن تلك الخيرات باستحقاقهم نزل بهم عذابنا فجأة ليكون عليهم أشد وقعا (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٤٤) أي متحزنون غاية الحزن منقطع رجاؤهم من كل خير (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي قطع غابر المشركين أي
__________________
(١) رواه أحمد في (م ١ / ص ٧٢).