أي الله وحده ينجيكم من شدائد البر والبحر (وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) أي غم سوى ذلك (ثُمَّ أَنْتُمْ) يا أهل مكة بعد ما تشاهدون هذه النعم الجليلة (تُشْرِكُونَ) (٦٤) بعبادته تعالى غيره الذي عرفتم أنه لا يضر ولا ينفع ولا تفون بعهدكم (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) كالمطر كما فعل بقوم نوح ، والحجارة كما رمى أصحاب الفيل وقوم لوط ، والصيحة أي صرخة جبريل التي صرخها على ثمود قوم صالح والريح كما في قوم هود (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) كالرجفة وغرق فرعون وخسف قارون (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) أي يخلط أمركم خلط اضطراب فيجعلكم فرقا مختلفين على أهواء شتى كل فرقة متابعة لإمام فإذا كنتم مختلفين قاتل بعضكم بعضا (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) أي نكررها متغيرة من حال إلى حال (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (٦٥) أي كي يقفوا على جلية الأمر فيرجعوا عمّا هم عليه من العناد (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) أي وكذبوا بالعذاب والحال أنه لواقع لا بدّ وأن ينزل بهم. أو المعنى وكذب قريش بالقرآن وهو الكتاب الصادق في كل ما نطق به وفي كونه منزلا من عند الله (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (٦٦) أي قل يا أكرم الرسل لهؤلاء المكذبين لست عليكم بحافظ حتى أجازيكم على تكذيبكم وإعراضكم عن قبول الدلائل إنما أنا منذر والله هو المجازي لكم بأعمالكم (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) أي لكل خبر يخبره الله تعالى وقت يحصل فيه من غير تأخير. أو المعنى لكل قول من الله من الوعد والوعيد استقرار وحقيقة منه ما يكون في الدنيا ومنه ما يكون في الآخرة (وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٦٧) أي ولا بد أن يعلموا أن الأمر كما أخبر الله تعالى عنه عند ظهوره (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أي وإذا رأيت أيها السامع الذين يستهزئون بآياتنا فاترك مجالسهم كي يشرعوا في حديثهم في غير آياتنا أي في غير الاستهزاء بالقرآن. ونقل الواحدي أن المشركين كانوا إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في رسول الله صلىاللهعليهوسلم والقرآن فشتموا واستهزءوا فأمرهم الله بترك مجالسة المشركين (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٦٨) أي وإن يشغلك الشيطان فتنسى النهي فتجالسهم فلا تقعد معهم بعد تذكر النهى (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٦٩).
قال ابن عباس : قال المسلمون لئن كنا كلما استهزأ المشركون بالقرآن قمنا عنهم لما قدرنا على أن نجلس في المسجد الحرام وأن نطوف بالبيت ، فنزلت هذه الآية. أي ما على الذين يتقون قبائح الخائضين مما يحاسبون عليه من آثامهم شيء ولكن تذكرة لهم عما هم عليه من القبائح بما أمكن من التذكير لعلهم يجتنبون الخوض حياء أو نحوه. وقوله تعالى : (ذِكْرى) معطوف على محل (شَيْءٍ) وهو رفع على أنه مبتدأ مؤخر أو اسم «ما» ومن مزيدة للاستغراق ومن حسابهم حال (مِنْ شَيْءٍ). (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي أعرض عن الذين نصروا الدين ليتوسلوا به إلى أخذ المناصب والرياسة ، وغلبة الخصم وجمع الأموال ولا