روي أنه لما شبّ إبراهيم جعل آزر يصنع الأصنام ويعطيها له ليبيعها فيذهب بها وينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه فلا يشتريها أحد ، فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر وضرب فيه رؤوسها وقال لها : اشربي. استهزاء بقومه حتى فشا فيهم استهزاؤه بها فقالوا له : احذر الأصنام فإنا نخاف أن تمسك بخبل أو جنون بعيبك إياها فذلك قوله تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ). (قالَ) أي إبراهيم لهم : (أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ) أي أتخاصمونني في وحدانية الله (وَقَدْ هَدانِ) لدينه فكيف ألتفت إلى حجتكم العليلة وكلماتكم الباطلة (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) من الأصنام لأن الخوف إنما يحصل ممن يقدر على النفع والضر والأصنام جمادات لا قدرة لها على النفع والضر فكيف يحصل الخوف منها (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) أي لا أخاف معبوداتكم في وقت قط لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة إلا أن يشاء ربي شيئا من المكروه يصيبني من جهتها كأن يحييها ويمكنها من إيصال المنفعة والمضرة إلي ، أو من نزع المعرفة من قلبي فأخاف ممن تخافون (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) فإنه علام الغيوب فلا يفعل إلا الصلاح والحكمة فبتقدير أن يحدث من مكاره الدنيا فذاك لأنه تعالى عرف وجه الصلاح والخير فيه لا لأجل أنه عقوبة على الطعن في إلهية الأصنام (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (٨٠) أن نفي الشركاء عن الله تعالى لا يوجب نزول العذاب وإثبات التوحيد له تعالى لا يوجب استحقاق العقاب. أو المعنى أتعرضون عن التأمل في أن آلهتكم جمادات لا تضر ولا تنفع فلا تتذكرون أنها غير قادرة ولا تتعظون فيما أقول لكم من النهي (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) أي وكيف أخاف الأصنام التي لا قدرة لها على النفع والضر وأنتم لا تخافون من الله إشراككم بالله ما يمتنع حصول الحجة فيه ، أو ما لم يرد الأمر به أي وكيف أخاف أنا ما ليس في حيز الخوف أصلا ، وأنتم لا تخافون غائلة ما هو أعظم المخوّفات وهو إشراككم بالله الذي لا يماثل ذاته وصفاته شيء في الأرض ولا في السماء ما هو من جملة مخلوقاته (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) أي ما لكم تنكرون على الأمن في موضع الأمن ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف فأي الفريقين من الموحدين والمشركين أحق بالأمن من معبود أحد الفريقين (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٨١) من أحق بذلك فأخبروني فلم يجيبوا فأجاب الله ما سأل عنهم فقال (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) أي الفريق الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بشرك بأن لم يثبتوا لله شريكا في المعبودية أولئك لهم الأمن من العذاب (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٨٢) إلى الصواب ومن عداهم في ضلال ظاهر والله تعالى شرط في الإيمان الموجب للأمن عدم الظلم أي عدم النفاق بالإيمان. وأما الفاسق فهو مؤمن فوعيد الفاسق من أهل الصلاة يحتمل أن يعذبه الله وأن يعفو عنه فالأمن زائل والخوف حاصل فلم يلزم من عدم الأمن القطع بحصول العذاب والله أعلم (وَتِلْكَ) أي ما احتج به إبراهيم على قومه (حُجَّتُنا آتَيْناها) أي ألهمناها (إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) متعلق بحجتنا (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ).