في الدنيا والملائكة باسطوا أيديهم لقبض أرواحهم قائلين لهم : أخرجوا أنفسكم من هذه الشدائد ، وخلّصوها من هذه الآلام ، هذا الوقت تجزون العذاب الذي يقع به الهوان الشديد بسبب الافتراء على الله والتكبر على آيات الله ، لرأيت أمرا فظيعا. أو المعنى ولو ترى الظالمين إذا صاروا إلى أنواع الشدائد والتعذيبات في الآخرة فأدخلوا جهنم والملائكة باسطوا أيديهم عليهم بالعذاب مبكتين لهم قائلين : أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب الشديد هذا الوقت تجزون العذاب المشتمل على الإهانة بسبب كونكم قائلين قولا غير الحق ، وكونكم مستكبرين عن الإيمان بآيات الله لرأيت أمرا عظيما. (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا) للحساب (فُرادى) عن الأهل والمال والجاه (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي مشبهين ابتداء خلقكم حفاة عراة غرلا بهما أي ليس معهم شيء (وَتَرَكْتُمْ) بغير اختياركم (ما خَوَّلْناكُمْ) أي أعطيناكم من الأموال (وَراءَ ظُهُورِكُمْ) في الدنيا أما إذا صرف الأموال إلى الجهات الموجبة لتعظيم أمر الله وللشفقة على خلق الله فما تركها وراء ظهره بل قدمها تلقاء وجهه (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) أي وما نرى معكم أصنامكم التي زعمتم أنها شركاء لله في استحقاق عبادتكم (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ).
قرأ نافع وحفص عن عاصم والكسائي بالنصب. أي لقد تقطعت الشركة بينكم. والباقون بالرفع أي لقد تقطع وصلكم فـ «البين» اسم يستعمل للوصل والفراق فهو مشترك بينهما كالجون للأسود والأبيض (وَضَلَ) أي ضاع (عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٩٤) إن الأصنام شفعاؤكم (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِ) أي شاق جميع الحبوب من الحنطة وغيرها (وَالنَّوى) وهي التي في داخل الثمار أي فإذا وقعت الحبة أو النواة في الأرض الرطبة ثم مرّ عليها مدة أظهر الله تعالى في تلك الحبة أو النواة من أعلاها شقا ومن أسفلها شقا آخر فيخرج من الحبة ورق أخضر ومن النواة شجرة صاعدة في الهواء ويخرج منها عروق هابطة في الأرض (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) أي يخرج من النطفة بشرا حيا ، ومن البيضة فروخا حية ، ومن الحب اليابس نباتا غضا ، ومن الكافر مؤمنا ، ومن العاصي مطيعا وبالعكس (ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٩٥) أي ذلكم الله المدبر الخالق ، النافع الضار ، المحيي المميت فمن أين تكذبون في إثبات القول بعبادة الأصنام؟ وقيل : المراد الإنكار على تكذيبهم بالحشر والنشر. فالمعنى إنكم لما شاهدتم أنه تعالى يخرج الحي ، من الميت ومخرج الميت من الحي ثم شاهدتم أنه تعالى أخرج البدن الحي من النطفة الميتة مرة واحدة فكيف تستبعدون أن يخرج البدن الحي من ميت التراب الرميم مرة أخرى (فالِقُ الْإِصْباحِ) أي فالق ظلمة الإصباح بنور الإصباح وذلك لأن الأفق من الجانب الغربي والشمالي والجنوبي مملوء من الظلمة ، وإنما ظهر النور في الجانب الشرقي فكأن الأفق كان بحرا مملوءا من الظلمة ، ثم إنه تعالى شق ذلك البحر المظلم بأن أجرى جدولا من النور فيه (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) أي يستريح فيه الخلق من التعب الحاصل في النهار.