إنشاء الأنس من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف صنعة وإن الاستدلال بالأنفس أدق من الاستدلال بالنجوم في الآفاق لظهورها (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي وهو الله الذي خلق هذه الأجسام في السماء ثم ينزلها إلى السحاب ثم من السحاب إلى الأرض (فَأَخْرَجْنا بِهِ) أي بسبب الماء (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) من الأشياء التي تنمو من أنواع النجم والشجر (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ) أي النبات (خَضِراً) أي زرعا. والمراد من هذا الخضر العود الأخضر الذي يخرج أولا في القمح والشعير والذرة والأرز ويكون السنبل في أعلاه (نُخْرِجُ مِنْهُ) أي من ذلك الخضر (حَبًّا مُتَراكِباً) بعضه على بعض في سنبله واحدة (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها) أي كيزانها قبل أن ينشق عن الإغريض (قِنْوانٌ) أي عراجين تدلت من الطلع (دانِيَةٌ) أي قريبة من القاطف يناله القائم والقاعد (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ).
قرأ عاصم بالرفع وهي قراءة علي ، أي ومن الكرم جنات من أعناب. والباقون بالنصب والتقدير وأخرجنا بالماء بساتين من أعناب (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) أي شجرهما والأحسن أن ينتصبا على الاختصاص لعزة هذين الصنفين عندهم (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) أي إن هذه الفواكه قد تكون متشابهة في اللون والشكل مع أنها تكون مختلفة في الطعم واللذة ، وقد تكون مختلفة في اللون والشكل مع أنها تكون متشابهة في الطعم واللذة ، وأيضا بعض حبات العنقود من العنب متشابهة وبعضها غير متشابه فإنك إذا أخذت العنقود ترى حباته نضجة حلوة طيبة إلا حبات مخصوصة منها بقيت على أول حالها من الخضرة والحموضة والعفوصة. (انْظُرُوا) أيها المخاطبون. نظر اعتبار (إِلى ثَمَرِهِ) أي ثمر كل واحد مما ذكر.
قرأ حمزة والكسائي بضم الثاء والميم. وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وسكون الميم. والباقون بفتح الثاء والميم (إِذا أَثْمَرَ) أي إذا خرج ثمره فتجدوه ضئيلا لا يكاد ينتفع به. (وَيَنْعِهِ) أي وانظروا إلى حال نضجه وكماله فتجدوه قد صار قويا جامعا لمنافع جمة (إِنَّ فِي ذلِكُمْ) أي في اختلاف الألوان وهو ما أمر بالنظر إليه (لَآياتٍ) أي عظيمة دالة على وجود القادر الحكيم ووحدته (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٩٩) أي لمن سبق في حقه قضاء الله بالإيمان ، فأما من سبق له قضاء الله بالكفر لم ينتفع بهذه الدلالة ألبتة أصلا. (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) أي قال المجوس : إن الله تعالى وإبليس أخوان شريكان فالله تعالى خالق الناس والدواب والأنعام ، وإبليس خالق السباع والحيات والعقارب ، وقالوا : كل ما في هذا العالم من الخيرات فهو من يزدان وجميع ما فيه من الشرور فهو من أهرمن ، وهو المسمى بإبليس في شرعنا. (وَخَلَقَهُمْ) أي وقد علموا أن الله خلقهم فإن أكثر المجوس معترفون بأن إبليس ليس بقديم بل هو حادث ، وإنما كان إبليس أصلا لجميع الشرور والآفات والمفاسد والقبائح وقد سلموا أن إله العالم هو الخالق لما هو أصل