الشرور والقبائح والمفاسد ، ثم إن في المجوس من يقول : إنه تعالى تفكّر في مملكة نفسه واستعظمها فحصل نوع من العجب فنشأ الشيطان عن ذلك العجب ومنهم من يقول شك في قدرة نفسه فنشأ من شكه الشيطان فهؤلاء معترفون بأن أهرمن محدث وأن محدثه هو الله تعالى فقوله تعالى : (وَخَلَقَهُمْ) إشارة إلى هذا المعنى والضمير عائد إلى الجن (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ).
قرأ نافع و «خرقوا» بتشديد الراء والجمهور بتخفيفها ، وقرأه ابن عباس بالحاء المهملة والفاء وتخفيف الراء ، وابن عمر كذلك إلا أنه شدد الراء أي كذبوا في الله حيث وصفوه تعالى بثبوت البنين والبنات مصاحبين لجهل حقيقة ما وصفوه فالذين أثبتوا لبنين النصارى وقوم من اليهود حيث قال النصارى : المسيح ابن الله ، واليهود : عزير ابن الله والذين أثبتوا البنات العرب الذين يقولون : الملائكة بنات الله ، فلو عرفوا أن الإله يجب أن يكون واجب الوجود لذاته لامتنعوا أن يثبتوا له تعالى البنين والبنات ، فإن الولد دال على كونه منفصلا من جزء من أجزاء الوالد وذلك إنما يكون في مركب يمكن انفصال بعض أجزائه وذلك في حق الفرد الواجب لذاته محال فمن عرف حقيقة الإله استحال أن يقول له تعالى ولد (سُبْحانَهُ) نزه الله ذاته بنفسه عمّا لا يليق به (وَتَعالى) أي تقدس (عَمَّا يَصِفُونَ) (١٠٠) بأن له تعالى شريكا وولدا. فالتسبيح يرجع إلى ذات المسبح والتعالي يرجع إلى صفته الذاتية التي حصلت له تعالى سواء سبحه تعالى مسبح أم لا؟ (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). والمعنى أن الله تعالى أخرج عيسى إلى الوجود من غير سبق الأب والنطفة كما أنه تعالى خلق السموات والأرض من غير سبق مادة ومدة ، فلو لزم من مجرد كونه تعالى مبدعا لإحداث عيسى كونه تعالى والدا له عليهالسلام لزم من كونه تعالى مبدعا للسموات والأرض كونه تعالى والدا لهما وذلك باطل بالاتفاق ، فثبت أن مجرد كونه تعالى مبدعا لعيسى لا يقتضي كونه والدا له (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) أي من أين يكون له تعالى ولد والحال ليس له زوجة؟ أي لأن الولد لا يصح إلا ممن كانت له زوجة وشهوة وينفصل عنه جزء ويحتبس ذلك الجزء في باطن تلك الزوجة ، وهذه الأحوال إنما تثبت في حق الجسم الذي يصح عليه الاجتماع والافتراق والحركة والسكون والشهوة واللذة وكل ذلك محال على خالق العالم (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) أي من أين يكون له ولد والحال أنه تعالى خلق جميع الأشياء؟ فإن تحصيل الولد بطريق الولادة إنما يصح في حق من لا يقدر على التكوين دفعة واحدة فمن كان قادرا على تكوين المحدثات فإذا أراد إحداث شيء قال له : كن ، فيكون. ومن كان صفته هكذا امتنع إحداث شخص منه بطريق الولادة (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١٠١) أي فإن علم الله أن في تحصيل الولد نفعا له تعالى وكمالا وجب حصول الولد قبل ذلك ، وهذا يوجب كون ذلك الولد أزليا وهو محال. وإن علم أنه ليس له تعالى في تحصيل الولد ازدياد مرتبة في الإلهية ولا كمال حال فيها