وجب أن لا يحدثه ألبتة في وقت من الأوقات ، وأيضا الولد المعتاد إنما يحدث بقضاء الشهوة وهو يوجب اللذة وهي مطلوبة لذاتها فوجب أن يعلم الله أن تحصيل تلك اللذة يدعوه إلى تحصيلها قبل ذلك الوقت فوجب أن تحصل تلك اللذة في الأزل فلزم كون الولد أزليا ، وذلك محال فثبت عدم صحة الولد عليه تعالى (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) واسم الإشارة راجع إلى الإله الموصوف بما تقدم من الصفات. واسم الجلالة خبر أول و (رَبُّكُمْ) خبر ثان و (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) خبر ثالث ، و (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) خبر رابع والفاء في قوله (فَاعْبُدُوهُ) لمجرد السببية من غير عطف ، أي ثبت أن إله العالم فرد صمد منزه عن الشريك والنظير والضد والأولاد وذلك الجامع لهذه الصفات العظيمة هو الله المستحق للعبادة مالك أمركم لا شريك له في ذلك خالق ما كان وما يكون فاعبدوه ولا تعبدوا أحدا غيره ، وللعلماء في إثبات التوحيد طرق كثيرة ومن جملتها هذه الطريقة وتقريرها من وجوه :
الأول : أن يقال الصانع الواحد كاف في كونه إلها للعالم ومدبرا له ، وما زاد على الواحد فالقول فيه متكافئ لأنه لم يدل الدليل على ثبوته لأنه يلزم إما إثبات آلهة لا نهاية لها وهو محال ، أو إثبات عدد معين مع أنه ليس ذلك العدد أولى من سائر الأعداد وهو محال أيضا ، وإذا كان القسمان باطلين لم يبق إلا القول بالتوحيد.
والثاني : أن يقال إن الإله القادر على كل الممكنات ، العالم بكل المعلومات كاف في تدبير العالم. فلو قدرنا إلها ثانيا فإما أن يكون فاعلا أو لا ، فإن كان فاعلا صار مانعا للآخر عن تحصيل مقدوره وذلك يوجب كون كل واحد منهما سببا لعجز الآخر وهو محال ، وإن لم يكن فاعلا كان ناقصا معطلا وذلك لا يصلح للإلهية.
والثالث : أن يقال أن الإله الواحد لا بدّ وأن يكون كاملا في صفات الإلهية فلو فرضنا إلها ثانيا فإما أن يكون مشاركا للأول في جميع صفات الكمال أو لا فإن كان مشاركا في ذلك فإما أن يكون متميزا عن الأول أو لا ، فإن لم يكن متميزا عنه بأمر من الأمور لم تحصل الإثنينية ، وإن امتاز بصفات الكمال لم تكن جميع صفاته مشتركة بينهما وإن امتاز بغير صفات الكمال ، فلذلك نقصان. فثبت بهذه الوجوه الثلاثة أن الإله الواحد كاف في تدبير العالم وإيجاده وأن الزائد يجب نفيه (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (١٠٢) أي حافظ فيجب أن يعلم كل مكلف أنه لا حافظ إلا الله ولا مصلح للمهمات إلا الله فحينئذ ينقطع طمعه عن كل ما سواه ولا يرجع في مهم من المهمات إلا إليه ويقال : أي كفيل بأرزاق خلقه (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) أي لا تراه الأبصار في الدنيا وهو تعالى يراه المؤمنون في الآخرة لقوله صلىاللهعليهوسلم : «سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في