روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما قدم المدينة أتاه عبد الله بن صوريا فقال : يا محمد ، كيف نومك فقد أخبرنا عن نوم الذي يجيء في آخر الزمان؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «تنام عيناي ولا ينام قلبي» قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الولد أمن الرجل يكون أم من المرأة؟ فقال : «أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل ، وأما اللحم والدم والظفر والشعر فمن المرأة». فقال : صدقت ، فما بال الرجل يشبه أعمامه دون أخواله ، ويشبه أخواله دون أعمامه. فقال : «أيهما غلب ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له». قال : صدقت ، أخبرني أي الطعام حرّم إسرائيل على نفسه ، وفي التوراة أن النبي الأمي يخبر عنه؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا فطال سقمه ، فنذر الله نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن على نفسه أحب الطعام والشراب وهو لحمان : الإبل وألبانها». فقالوا : نعم ، فقال له : بقيت خصلة واحدة إن قلتها آمنت بك أيّ ملك يأتيك بما تقول عن الله. قال : «جبريل» (١) قال : إن ذلك عدونا ينزل بالقتال والشدة ، ورسولنا ميكائيل يأتي بالبشر والرخاء فلو كان هو الذي يأتيك آمنا بك ، فأنزل الله تعالى هاتين الآيتين : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) لأنه ينزل القرآن على محمد فقد خلع ربقة الإنصاف (فَإِنَّهُ) أي جبريل (نَزَّلَهُ) أي القرآن (عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) أي بأمره وخصّ القلب بالذكر لأنه خزانة الحفظ وبيت الرب (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي لما قبل القرآن من الكتب الإلهية لأن الشرائع التي تشتمل عليها سائر الكتب كانت مقدرة بالأوقات ومنتهية في هذا الوقت فإن النسخ بيان انتهاء مدة العبادة وحينئذ لا يكون بين القرآن وسائر الكتب اختلاف في الشرائع (وَهُدىً) أي بيان ما وقع التكليف به من أعمال القلوب وأعمال الجوارح (وَبُشْرى) أي بيان ثواب تلك الأعمال (لِلْمُؤْمِنِينَ) (٩٧) (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (٩٨) وخصّ الله جبريل بالذكر ردا على اليهود في دعوى عداوته وضمّ إليه ميكائيل لأنه ملك الرزق الذي هو حياة الأجساد كما أن جبريل ملك الوحي الذي هو حياة القلوب والأرواح ، وقدّم جبريل لشرفه لأن العلم أشرف من الأغذية ، وقدّم الملائكة على الرسل كما قدّم الله على الجميع ، لأن عداوة الرسل بسبب نزول الكتب ونزولها بتنزيل الملائكة وتنزيلهم لها بأمر الله فذكر الله ومن بعده على هذا الترتيب. «وجبريل» قرأ حمزة والكسائي بفتح الجيم والراء وهمزة بعد الراء مكسورة ، وقرأ شعبة كذلك إلا أنه حذف الياء بعد الهمزة وكسر الراء. والباقون بكسر الجيم والراء من غير همز بعد الراء إلا أن ابن كثير فتح الجيم. «وميكائيل» قرأ أبو عمرو وحفص ميكال بغير همزة ولا ياء بين الألف واللام ، وقرأ نافع بهمزة بعد الألف ولا ياء بعد الهمزة ، والباقون بهمزة بعد الألف وياء.
__________________
(١) رواه أحمد في (م ١ / ص ٢٧٣ ، ٢٧٨).