وقرأ أبو عمرو وابن عامر بتشديد التاء (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١٤٠) فإن تحريم الحلال من أعظم أنواع الحماقة لأنه يمنع نفسه تلك المنافع ويستحق ذلك المنع أعظم أنواع العقاب أو أن الجراءة على الله أعظم الذنوب وهم قد ضلوا عن الرشد في مصالح الدين ومنافع الدنيا ولم يحصل لهم الاهتداء قط (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) أي وهو الذي خلق بساتين مرفوعات على ما يحملها من العروش والساق وملقيات على وجه الأرض ويقال : معروشات أي وهو ما غرسه الناس في البساتين وغير معروشات وهو ما أنبته الله في الجبال والبراري (وَ) أنشأ (النَّخْلَ وَالزَّرْعَ) أي جميع الحبوب التي يقتات بها (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) أي مختلف المأكول من كل منهما في الهيئة والطعم (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) أي أنشأ شجرهما (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) في اللون أو الطعم (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) أي ثمر كل واحد من ذلك (إِذا أَثْمَرَ) ولو قبل النضج.
وقرأ حمزة والكسائي برفع الثاء والميم من ثمره (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) وقرأ ابن عامر وأبو عمرو وعاصم بفتح الحاء أي اعزموا على إيتاء الزكاة لكل من الزروع والثمار يوم الحصاد ، ولا تؤخروه عن أول وقت يمكن فيه الإيتاء وإنما يجب إخراج الزكاة بعد التصفية والجفاف والأمر بإيتائها يوم الحصاد لئلا يؤخر عن وقت إمكان الأداء وليعلم أن وجوبها بالإدراك ولو في البعض لا بالتصفية. والمعنى آتوا حق كل ما وجب يوم الحصاد بعد التصفية وفائدة ذكر الحصاد أن الحق لا يجب بنفس الزرع وإدراكه وإنما يجب يوم حصاده وحصوله في يد مالكه لا فيما يتلف من الزرع قبل حصوله في يد مالكه وهذا يقتضي وجوب الزكاة في الثمار كما قاله أبو حنيفة ويقتضي ثبوت حق في القليل والكثير فالعشر واجب في القليل والكثير كما قاله أبو حنيفة (وَلا تُسْرِفُوا) أي لا تجاوزوا الحد في الإعطاء والبخل حتى تمنعوا الواجب من الصدقة وتعطوا كله.
وروي أن ثابت بن قيس بن شماس عمد إلى خمسمائة نخلة فجذها ثم قسمها في يوم واحد ولم يدخل منها إلى منزله شيئا فأنزل الله هذه الآية ولا تسرفوا وقد جاء في الخبر : «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» (١) (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١٤١) فكل مكلف لا يحبه الله تعالى فهو من أهل النار (وَ) أنشأ (مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً) أي ما يحمل الأثقال (وَفَرْشاً) أي ما يفرش للذبح أو ما ينسج من وبره وصوفه وشعره للفرش (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي كلوا بعض ما رزقكم الله وهو
__________________
(١) رواه النسائي في كتاب الزكاة ، باب : أيّ الصدقة أفضل ، ومسلم في كتاب الزكاة ، باب : ٤١.